انسداد الغدّة اللعابيّة: التشخيص والعلاج
الغدّة اللعابيّة منتفخة وتؤلم؟ على ما يبدو هناك انسداد في الغدّة، ناجم عن حصى أو تضيّق. الأخبار السارّة: هناك طرق متقدّمة وعمليّات غزويّة صغيرة للعلاج
اللعاب، أو كما يطلَق عليه "سائل الحياة في الفم"، هو وسيلة لتليين وتنظيف أنسجة الفم بشكل دائم (من خلال غسلها)، كما ويلعب دورًا في عمليّة الأكل (اللعاب يحوِّل الغذاء إلى "عجينة لزجة" لتسهيل عمليّة ابتلاعها)، في التكلّم (يساعد اللسان على الحركة بشكل حرّ وبدون احتكاك) وفي الهضم (إنزيمات اللعاب تبدأ بتفكيك الغذاء في مرحلة تواجده في الفم). إلى جانب كلّ ذلك، للعاب دور هام في منع التسوّس.
ما هو مبنى جهاز اللعاب في جسم الإنسان؟
جهاز اللعاب هو جهاز متشعّب، وهو مركّب من 4 غدد لعابيّة كبيرة (2 في الخدّين وَ 2 في منطقة تحت الفكّ)، إذ تتّصل كلّ غدّة بأنبوبة إفرازات تجمع اللعاب المتكوّن في الغدّة وتفرزه إلى تجويف الفم؛ بالإضافة، هناك مئات الغدد اللعابيّة الصغيرة (5-2 ملم) الموزّعة في مناطق مختلفة من الفم، بالأساس في الشفّة السفلى، الحنك، جانب اللسان، وغيرها.
أنبوبة الإفرازات في الغدد اللعابيّة، والموجودة في الجزء الداخلي من الخدّ (والتي تسمّى أيضًا "الغدّة النكفيّة"؛ وبالإنجليزيّة "باروتيد"، Parotid)، تفرز اللعاب إلى تجويف الفم عبر الخدّ، إذ تقع فتحة الإفراز مقابل الأضراس العلويّة.
الغدد الموجودة تحت الفكّ (تحت اللسان) موجودة في منطقة الرقبة، في الجزء القريب من زاوية الفكّ. أنبوبة الإفراز في هذه الغدد تفرز اللعاب إلى داخل تجويف الفم من تحت اللسان، في الجزء الأمامي من الفم.
ما هي الأمراض التي قد تصيب الغدد اللعابيّة؟
في الوضع السليم، عندما لا تكون هناك مشاكل في الرئتين - معظم الأشخاص لا يعرفون بتاتًا أنّ لديهم غددًا لعابيّة. مع ذلك، بسبب مبناها المعقّد، قد تنسدّ الغدد وقد تتضيّق و/أو يتكوّن فيها حصى - ممّا يؤدّي إلى حالات مرضيّة، انتفاخات وأوجاع.
الأعراض المرضيّة-الباثولوجيّة في الغدد اللعابيّة قد تكون أورامًا تتكوّن داخل الغدد (أورامًا حميدة أو خبيثة)؛ بالإضافة، الأمراض الالتهابيّة-الانسداديّة هي أكثر شيوعًا بالمقارنة مع الأورام.
ما هي مراحل تشخيص المشاكل في الغدد اللعابيّة؟
في غالبيّة الأحيان، يقوم المتعالج بمراجعة طبيب الأسنان أو طبيب العائلة - ويحصل منهم على تحويلة لطبيب اخصائي أمراض الفم والفكّ أو اخصائي أنف، أذن وحنجرة يعالج هذه الحالات أيضًا. عمليًا، هكذا يبدأ الفحص بشكل محدّد.
تشخيص الانسداد في الغدد اللعابيّة يعتمد على علاج سريري (التحسّس) موجَّه للغدد تحديدًا - بالمقارنة مع الغدد الأخرى؛ و"الحلب" - أيّ إخراج اللعاب بطريقة ميكانيكيّة. في العددي من الأحيان، يمكن أن نلاحظ أنّ الغدد المصابة بمرض انسدادي تفرز لغابًا عكرًا وغير صافٍ (بسبب ترسّب الأملاح). بعد إجراء الفحص السريري، يقرّر الطبيب بشأن إجراء فحص تصوير طبي.
الفحص الأكثر شيوعًا هو فحص الأمواج الفوق صوتيّة (أولتراساوند) - وهو فحص بسيط، متوفّر، غير غزويّ وخالٍ من الإشعاعات. الفحص يتيح إمكانيّة رؤية الحصى في الغدّة تحت الفكّ في منطقة الرقبة (المنطقة القريبة من الجلد)، أو في الغدّة النكفيّة؛ لكن هذا الفحص لا يتيح إمكانيّة رؤية الحصى الصغيرة في قاعدة الفم. بالإضافة، يمكن من خلال هذا الفحص التمييز بين الأورام في الغدد وبين الأمراض الانسداديّة في الغدد.
كما وهناك فحص آخر لتشخيص وقياس حجم الحصى في الغدّة بشكل دقيق وتحديد مكان الحصى - وهو فحص التصوير المقطعي المحوسب CT. هذا الفحص أدقّ ويتيح إمكانيّة التأكّد من عدم وجود حصى أخرى.
جهاز اللعاب مكوّن من 4 غدد كبيرة ومئات الغدد الصغيرة. تصوير: شاترستوك
ما هي الأمراض الالتهابيّة التي قد تصيب الغدد اللعابيّة؟
ما يقارب %3 من الأشخاص سيعانون من مشكلة مرتبطة بمرض/التهاب في الغدد اللعابيّة خلال حياتهم. بشكل عام، الأمراض الالتهابيّة تنجم عن تلوّث جرثوميّ يخرج من تجويف الفم إلى الغدّة. مصدر التلوّث هو بالأساس جفاف الفم الناجم عن عدم إفراز اللعاب بكميّات كافية (لذلك لا يوجد "تنظيف" كافٍ للأنسجة): في بعض الأحيان، بعد عمليّات جراحيّة طويلة (يجفّ الفم خلال العمليّة بغضّ النظر عن نوع العمليّة).
تلوّث الغدة ينعكس من خلال انتفاخ في جانب واحد، حول الموضع التشريحي للغدّة (بشكل عام عند تناول الوجبات، لأنّ الغدد اللعابيّة تعمل أكثر أثناء هذه العمليّة). في غالبيّة الأحيان، تكون هذه الظاهرة مصحوبة بألم كبير وإفراز قيح من فتحة إفراز اللعاب. في حالات قصوى، يؤدي التلوّث إلى ارتفاع في درجة الحرارة وينتاب المصاب إحساس سيّء إجمالًا.
يتمّ علاج هذه الحالات من خلال إدخال السوائل إلى الجسم (الإكثار من الشرب أو من خلال الوريد)، تلقّي علاج بالمضادات الحيويّة و"تدليك" الغدّة من أجل إخراج القيح، تفريغ الغدّة وإتاحة إمكانيّة غسلها من جديد.
ما هي الأمراض الانسداديّة التي تصيب الغدد اللعابيّة؟
لكي تعمل الغدّة اللعابيّة بشكل سليم، ولكي لا تدخل إليها مواد ملوّثة، يجب أن يتدفّق اللعاب إلى الخارج بشكل سليم.
السبب الأكثر شيوعًا (لدى نصف بالمئة من الأشخاص) لانسداد وتلوّث الغدد اللعابيّة - هو تكوّن الحصى في الغدد. سبب تكوّن الحصى ما زال غير معروفًا بشكل دقيق، لكنّ النظريّة السائدة حول ذلك هي أنّه عندما يكون هناك انخفاض - حتى وإن كان مؤقتًا - في إفراز اللعاب، تترسّب الأملاح الموجودة في اللعاب على أنبوبة الإفراز أو بداخلها ("بلاغ")؛ ترسّب الأملاح يكوّن حصى صغيرة تكبر ببطء.
يمكن أن تكبر هذه الحصى على مدار سنوات طويلة دون أن نشعر بوجودها لأنّ اللعاب يتدفّق من حولها - لكن في مرحلة معيّنة، ستؤدّي هذه الحصى إلى انسداد الأنبوبة، ممّا يؤدّي إلى تشويش عمليّة إفراز اللعاب وغسل الغدّة - هذا الأمر يسبّب التلوّث (الجراثيم صغيرة و"تتسلّق" على الأنبوبة برغم انسدادها).
التلوّث الذي يحدث حول الحصى في الغدّة يكون مصحوبًا هو أيضًا بانتفاخ، ألم، إحساس سيء وإفراز قيح. العلاج يعتمد على آليّة تأخذ بعين الاعتبار موضع الحصى وحجمها، بالإضافة إلى تحديد أنبوبة الغدّة التي تكوّنت فيها الحصى (حجم الحصى هو ما يحدّد غالبًا موضعها). في الحالات القصوى، يتمّ العلاج بواسطة مضادات حيويّة ملائمة، الإكثار من الشرب وتدليك الغدّة؛ بعد ان يخفّ التلوّث، يتمّ استخراج الحصى.
الحصى في الغدد تحت الفكّ: وهي أكثر شيوعًا من الحصى الموجودة في غدد الخدّ، بسبب تواجد الغدّة تحت الفم - ومسلك إفراز اللعاب إلى الفم يكون على النحو التالي: اللعاب يتحرّك بعكس قوّة الجاذبيّة، مّا يزيد من احتمال تدفّقه ببطء ومن احتمال امتصاص الأملاح.
استخراج الحصى الصغيرة: الحصوة الصغيرة الموجودة في الأنبوبة تكون غالبًا في الجزء الأمامي منها، أيّ الجزء الأقرب لفتحة الخروج - لأنّها قادرة على التحرّك إلى المكان التي تصبح فيه الأنبوبة ضيّقة (قريبًا من فتحة الإفراز). يمكن استخراج هذه الحصى الصغيرة تحت تخدير موضعي، إذ يتمّ شقّ الأنبوبة وفتحها (على شكل قمع) - ويتمّ إخراج الحصوة الصغيرة عبر الفتحة.
هناك طريقة أخرى لمعالجة هذه الحالات مهي التنظير الداخلي: يتمّ إدخال كاميرا صغيرة إلى الأنبوبة؛ وإذا كانت الحصوة صغيرة بما في الكفاية وقادرة على الحركة، يمكن استخراجها بجهاز يشبه الملقط. هذه الطريقة الأقلّ غزويّةً، فلا يتمّ فيها شقّ الأنبوبة ولا يتمّ تغيير المبنى التشريحي الطبيعي لها. مع ذلك، هذه الطريقة ملائمة لعلاج حالات معيّنة فقط.
استخراج الحصة الكبيرة: الحصى الكبيرة (قد يبلغ حجمها أحيانًا أكثر من 2 سم) تتواجد بشكل عام في منطقة قمع الغدّة، وهي منطقة بعيدة عن فتحة الإفراز وقريبة من الفتحة التي يتكوّن فيها اللعاب في الغدّة (في الغدّ تحت الفكّ، يتواجد القمع بعكس الجاذبيّة).
في هذه الحالات، أو في الحالات التي تكون فيها الحصوة ملتصقة بالأنبوبة (بشكل عام يحدث هذا الالتصاق بعد حدوث تلوّث والتهاب ممّا يؤدّي إلى تقلّص الأنبوبة وإلى التصاق الحصوة) - يتمّ استخراج الحصى بعمليّة جراحيّة تحت تخدير كلّي.
حتى قبل بضع سنوات، العمليّة الجراحيّة المتّبعة كانت استخراج الغدّة بأكملها عبر الرقبة، مع الحصوة - لكن الطريقة الجديدة عبارة عن عمليّة جراحيّة يتمّ من خلالها إدخال المنظار الداخلي (إندوسكوب) من الفم عبر الأنبوبة - ويتمّ شقّها في المكان الدقيق الذي تتواجد فيه الحصوة من أجل استخراجها. من أفضليّات هذه العمليّة أنّ الغدّة تستمرّ في عملها بعد العمليّة - لا تترك ندبة في الرقبة (مثل عمليّة استخراج الغدّة بأكملها) ولا تنطوي على مخاطر عصبيّة كبيرة.
في الكثير من الأحيان، في نهاية العمليّة يتمّ تقصير الأنبوبة وتمديدها، وذلك لتقليل احتمال تكوّن الحصى فيها مرّة أخرى.
هناك طريقة مساعِدة - لاستخراج الحصى المعقّدة: في الحالات التي تتواجد فيها الحصوة في مكان يصعب الوصول إليه من خلال العمليّة الجراحيّة، أو عندما تكون الحصوة ملتصقة بالأنبوبة، يمكن تفتيت الحصوة قبل استخراجها. يتمّ إجراء سلسلة مكوّنة من 4 جلسات علاجيّة، المدّة الزمنيّة بين كلّ منها هي شهر واحد. في كلّ جلسة علاجيّة، يتمّ وضع المحوِّل من الخارج (جهاز تفتيت الحصى) - في المنطقة التي تتواجد فيها الحصوة. يصدر الجهاز امواج صدمات بوتيرة عالية، ممّا يساعد على نقل الحصوة من مكانها. في بعض الحالات النادرة، تخرج الحصوة من تلقاء ذاتها - على شكل مجموعة حصى صغيرة.
الحصى في الغدّة النكفيّة: أقلّ شيوعًا. في هذه الحالات، يتمّ تجنّب العمليّات الجراحيّة لأنبوبة الإفراز لأنّها قابلة للإصابة بالندبات وقابلة للانسداد. لذلك، يتمّ اللجوء إلى علاج التفتيت - وهي أكثر نجاعة لعلاج الغدّة الموجودة في الخدّ، لأنّ الأنبوبة تكون أقرب إلى الجلد؛ بإمكان أمواج الصدمات أن تفتّت الحصوة بسهولة نسبيًا. بعد التفتيت، يتمّ استخراج الحصوة بطريقة تنظيريّة داخليّة، تساعد على سحب الحصوة إلى الخارج.
تلوّث الغدّة يكون مصحوبًا بانتفاخ من جانب واحد، وغالبًا ما يسبّب الآلام.
تصوير: thinkstock
ما الذي يمكن أن يؤدّي إلى انسدادات بدون تواجد الحصى. كيف يتمّ علاج هذه الحالة؟
الانسدادات بدون تواجد حصى هي أكثر شيوعًا في الغدّة النكفيّة بالمقارنة مع الغدّة تحت الفكّ - ولها اعراض مشابهة مثل الانتفاخ المتكرّر. في هذه الحالات، يتمّ تضيّق أجزاء في الأنبوبة بشكل كبير (تضيّق واحد أو عدّة تضيّقات). في أغلب الأحيان، سبب تضيّق الأنبوبة هو تلوّث انتهى وترك منطقة ندبيّة؛ في بعض الأحيان، يكون ذلك عبارة عن طفرة تشريحيّة خلفيّتها غير معروفة.
في هذه الحالة، العلاج هو تنظيري داخلي - تحت تخدير موضعي - إذ يتمّ إدخال المنظار الداخلي إلى الأنبوبة وتوسيع المناطق المتضيّقة بواسطة بالون أو بطريقة ميكانيكيّة (بواسطة المنظار الداخلي نفسه). بحسب الإحصائيّات، أكثر من %90 من المتعالجين قضوا "سنة هادئة" تقريبًا دون معاناة من الانتفاخات المتكرّرة. أحيانًا، يجب تلقّي علاج إضافي للوقاية بعد مرور سنة.
ملخّص: انسداد الغدد اللعابيّة قد يكون أمرًا مزعجًا - وقد يتطوّر إلى تلوّث حقيقي. بحسب موضع الانسداد وسبب الانسداد (الحصى، بأحجام مختلفة؛ او التضيّق) - يمكن اختيار نوع العلاج (عمليّة جراحيّة، تفتيت بواسطة أمواج الصدمات أو التوسيع بواسطة بالون).
د. أفيشاي غال أخصّائي جراحة الفم والفكّ، مدير العيادات الخارجيّة للفم والفكّ ومسؤول عن عيادة الغدد اللعابيّة في مستشفى بلينسون.
ساعدت في إعداد المقالة: يعاريت طرابلسي، مراسلة zap doctors.