الفصام (سكيزوفرينيا): من الضروري تلقّي العلاج بأسرع ما يمكن
النوبة الذهانيّة قد تشير في بعص الحالات إلى وجود فصام. المتابعة الطبيّة ضروريّان لتجنّب النوبات المتكرّرة وتفاقم المرض
سكيزوفرينيا (بالعربيّة: الفصام)، هو من أكثر الاضطرابات النفسيّة صعوبة وتعقيدًا.
1 من بين كلّ 100 شخص سيعاني من المرض، والذي يظهر في جيل 30-20. قد يظهر المرض أيضًا في جيل متقدّم أكثر.
يبدأ المرض بنوبة ذهانيّة فجائيّة. في الطبّ النفسي، يتمّ التعامل مع هذه النوبة على أنّها "اهتياج" الجهاز العصبي - كما يتعامون مع النوبة القلبيّة في مجال أمراض القلب. بكلمات أخرى: الهدف هو وقف "الاهتياج" والحدّ من السلوك الذهاني بأسرع ما يمكن، وذلك لتفادي الفصام المزمن، وهو أكثر صعوبة للعلاج، على ضوء ظهور عدد أكبر من الأعراض السلبيّة للمرض (الانعزال، انطواء المريض على نفسه، نقص في الأداء، الخروج من الدائرة الاجتماعيّة وانعدام التلذّذ (Anhedonia).
هناك فرق بين الأعراض "السلبيّة" (أيّ الإنقاص، نسبةً إلى بنية الشخصيّة الاعتياديّة) والأعراض "الإيجابيّة" (سلوك "فائض"، نسبةً إلى بنية الشخصيّة الاعتياديّة) للمرض.
أيّ أعراض "سلبيّة" قد تظهر قريبًا من النوبة الذهانيّة؟
الانطواء والانعزال عن البيئة، وعد التواصل.
"تسطيح" المشاعر، والذي ينعكس من خلال أسلوب التعبير: اللغة تصبح هزيلة، والنظرات تصبح خالية من التعبير.
الإهمال الذاتي.
انعدام التلذّذ: فقدان القدرة على الاستمتاع من اللحظات السعيدة في الحياة.
لا مبالاة.
الخروج من الدائرة الأدائيّة والاجتماعيّة: هناك حالات معيّنة، يصبح فيها المصابون بالفصام مشرّدين.
الميول للإدمان (بالأخصّ للسجائر والحشيش، وذلك لإيجاد منفذ من الضيقة وأعراض المرض والعلاج الدوائي).
ما هي الأعراض "الإيجابيّة" التي تميّز النوبة الذهانيّة؟
الوُهام (Delusion) - الاعتقادات الزائفة. مثلًا: يعتقد المريض أنّه يتحلّى بقدرات خارقة، أو أنّه المسيح المخلّص، أو أنّه إله وما شابه. يمكن أن يصاب المريض أيضًا بجنون الارتياب (Paranoia) وأن تراوده الشكوك بالآخرين.
هلوسات (hallucination) - تشوّه إدراكي، رؤية مشاهد غير موجودة في الواقع أو سماع أصوات، وهي من الأعراض الأكثر انتشارًا.
تجدر الإشارة إلى أنّ هناك عدّة أشكال للفصام، البسيطة منها والصعبة، والتي تنعكس من خلال الأعراض "السلبيّة" والأعراض "الإيجابيّة" بدرجات متفاوتة. أنا أتوقّع أنّه مع تقدّم العلم، سيكون بالإمكان تشخيص وتعريف كلّ شكل من أشكال المرض على حدة وفقًا للمميّزاته.
بالإضافة، تجدر الإشارة إلى أنّه بخلاف الاعتقاد السائد، مستوى العنف الذي يميّز المصابين بأمراض نفسيّة ليس عاليًا بالمقارنة مع مستوى العنف العام.
هل ينطوي الفصام على إلحاق الأذى بالذات أو بالبيئة المحيطة؟
قد يشكّل المصابون بالفصام خطرًا على أنفسهم وعلى الآخرين أحيانًا. مثلًا: عندما يرمن المريض أنّه قادر على الطيران من السطح، فإنّه قد يقفز منه؛ إذا كان المريض يسمع أصواتًا تدفعه لأذى أو لقتل الآخرين - قد يرتكب هذا الفعل إذا كان يعاني من خلل في اختبار الواقع.
لذلك، خلال النوبة الذهانيّة، وعندما يكون هناك خطر على المريض نفسه أو على البيئة المحيطة به، ومع توفّر شروط أخرى، لا مفرّ أحيانًا - إلا فرض المكوث القسري للاستشفاء على المريض في قسم مغلق، لفترة معيّنة، إلى أن تزول النوبة، وذلك لحمايته وحماية البيئة المحيطة به.
ما هي شروط الاستشفاء القسري؟
الشخص الذي يوشك على إلحاق الأذى بنفسه أو بشخص آخر، يُفرَض عليه الاستشفاء القسري، فقط إذا تحقّقت الشروط الثلاثة التالية:
1. تمّ تشخيص المريض كمريض نفسي موجود في حالة نوبة ذهانيّة ويعاني من خلل في اختبار الواقع.
2. هناك مستوى خطورة فوري على نفسه وعلى الآخرين.
3. توجد علاقة بين الشرطين أعلاه، أيّ أنّ مستوى الخطورة متعلّق بالذهان.
هل يمكن تشخيص الفصام بناءً على نوبة ذهانيّة حدثت مرّة واحدة؟
لا يتمّ تشخيص شخص كمريض بالفصام بناءً على نوبة ذهانيّة واحدة فقط. في ما يقارب %50 من الحالات التي تحدث فيها نوبة ذهانيّة لدى الأشخاص، تكون هذه النوبة قصيرة ولمرة واحدة فقط - لذلك، لا يتمّ تشخيص المصاب كمن يعاني من الفصام. لكن يمكن الافتراض بأنّ الصفات الوراثيّة للشخص تحمل جينات مرض الفصام، وأنّ حدثًا معيّنًا قد أدّى إلى النوبة الذهانيّة - لكن إذا عاد الشخص، خلال نصف سنة من وقوع هذا الحدث، إلى نمط سلوكه الذي كان عليه قبل النوبة الذهانيّة ولم تظهر لديه أعراض سلبيّة، لن يتمّ تشخيصه كمصاب بمرض الفصام. يجب توخّي الحذر الشديد قبل تشخيص الشخص على أنّه مريض بالفصام - بكلّ ما في الكلمة من معنى في تأثيرات هذا التشخيص.
مت يتمّ تشخيص شخص كمريض بالفصام؟
إذا ظهرت، خلال نصف سنة من وقوع الحدث الذهاني الأوّل، أعراض "إيجابيّة" وأعراض "سلبيّة"، مثل: الوُهام، الهلوسات، الانطواء، تسطيح المشاعر والإهمال؛ أو إذا وقع حدث ذهاني آخر، هناك احتمال بأن يُشخَّص الشخص على أنّه مريض بالفصام.
ما هي مسبّبات مرض الفصام؟
بحسب التقديرات الطبيّة، يدور الحديث عن مسبّبات وعوامل وراثيّة وبيولوجيّة، إلى جانب المسبّبات والعوامل البيئيّة.
من المعروف أيضًا أنّ هناك مركّبًا جينيًا (وراثيًا) وأنّ الحديث يدور عن مجموعة جينات كبيرة، لكن لا يمكن من خلال الفحوصات الوراثيّة اكتشاف الطفل الذي يحمل الصفات الوراثيّة لمرض الفصام. من المعروف أنّه إذا كان أحد الوالدين مصابًا بمرض الفصام، فإنّ احتمال إصابة الطفل بالمرض هو %10 تقريبًا، وإذا كان كلا الوالدين مصابين بالمرض - يرتفع احتمال إصابة الطفل إلى %40.
هناك أشخاص يحملون الصفات الوراثيّة لمرض الفصام - لكن المرض لا يظهر لديهم. بشكل عام، يظهر المرض في أعقاب حدث مؤسِّس أو صدمي في حياة الشخص الذي يحمل جينات مرض الفصام. قد يكون هذا الحدث غير صدمي بتاتًا بالنسبة لشخص آخر، لكن إذا كانت الصفات الوراثيّة موجودة - يكون هذا الحدث دافعًا لظهور المرض. ليس بالضرورة أن يكون الحدث سديدًا، لكن المقصود هو حدث صعب أو صدمي بالنسبة للمريض، مثلًا: التجنيد للخدمة العسكريّة أو وفاة شخص قريب. بالإضافة، هناك حالات يظهر فيها المرض بعد حدث جيّد كان بمثابة تغيير إيجابي في الحياة، مثل قصّة الحبّ الأولى.
هل هناك معلومات علميّة حول الآليّة العصبيّة-البيولوجيّة للمرض؟
الآليّة العصبيّة-البيولوجيّة للمرض ليست واضحة، لكن وفقًا لتأثير العلاج الدوائي - لكنّنا نعرف أنّ إعطاء دواء يعرقل أداء مستقبِلات الدوبامين، بالأخصّ دوبامين D2، للشخص الذي يعاني من نوبة ذهانيّة، يساعد على التهدئة وعلى وقف الحالة الذهانيّة.
في حالات الفرط في إفراز الناقل العصبي دوبامين، يؤدّي الدواء إلى انخفاض في الاتصال مع المستقبِل دوبامين - ممّا يساعد على وقف النوبة الذهانيّة.
ما هو تأثير تعاطي المخدّرات؟ هل "المخدّرات الخفيفة" تعتبَر خطرة؟
هناك عامل آخر هام للإصابة بمرض الفصام، وهو تعاطي المخدّرات، والتي يعتبرها البعض بشكل خاطئ "مخدّرات خفيفة" - وهي تزيد من احتمال انتشار النوبة الذهانيّة.
تجدر الشارة أيضًا إلى أنّه في السنوات الأخيرة، ومنذ أن أصبحت المخدّرات بمتناول اليد، مثل الغراس، "نايس غاي" وغيرها - أصبحنا نلاحظ ارتفاعًا في حالات حدوث النوبات الذهانية على ضوء تعاطي المخدّرات. هذه فئة جديدة من المرضى، ظهرت في أعقاب تعاطي المخدّرات.
إضافةً لذلك، نلاحظ أنّ من يصاب بالفصام المزمن جرّاء نوبة ذهانيّة (بعد تعاطي المخدّرات) - يكون أقلّ استجابة للعلاج الدوائي بشكل عام؛ في هذه الحالات، سيرورة مرض الفصام ستكون أطول وأصعب.
في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنّ هناك نشاطًا واسع النطاق لجعل مخدر الغراس قانونيًا، لكنّ الجمهور لا يعلم أنّ تعاطي الغراس قد يؤدّي إلى إصابة بعض الأشخاص بنوبة ذهانيّة - ولذلك، لا يجوز تعاطيه بدون رقابة.
بما أنّ الشبيبة الذي الشبيبة الذين يتعاطون المخدرات الخفيفة سهلة المنال لا يعرفون صفاتهم الوراثيّة - قد يعرّضون أنفسهم بذلك لخطر الإصابة بنوبة ذهانيّة قد تؤدّي إلى إصابتهم بمرض نفسي مزمن وشديد.
لذلك، من المهمّ أن نؤكّد أنّه ليست هناك مخدّرات خفيفة. عدم وجود آليّات كافية لتطبيق القانون، وتوفّر إمكانيّة الحصول على المخدّرات في أيّ مكان لا يقلّلان من مستوى خطورتها. حتى المرجوانا المستخدمة لأغراض طبيّة (القنب/الكنابيس الطبّي) ملائمة للعلاج بدواعي استخدام معيّنة؛ وقد تؤدّي إلى إصابة شخص معافًى بنوبة ذهانيّة لو تمّ استخدامها بشكل غير مراقَب. إيّاكم أن تعتقدوا أنّ المادّة الطبيّة والطبيعيّة ليست خطرة بالضرورة!
ماذا يشمل علاج الفصام؟
لوقف النوبة الأولى والحاسمة، يتمّ تقديم علاج دوائي - لمدّة سنة على الأقلّ؛ ويخضع المريض للمتابعة الطبيّة للتأكّد من عدم وقوع حدث ذهاني آخر. حتى وإن كانت النوبة الذهانيّة حدثًا وقع لمرّة واحدة - من المهمّ جدًا عدم وقف العلاج الدوائي، على الأقلّ لمدّة سنة. وذلك لتجنّب حدوث نوبة أخرى - والتي ستليها المزيد من النوبات ويصبح المرض مزمنًا. تجدر الإشارة إلى أنّه بين النوبة والأخرى، تتقلّص حياة المصاب أكثر فأكثر ويصبح أكثر انطواءً وانعزالًا عن بيئته.
العلاج الدوائي يشمل أدوية مضادة للذهان، ولها أعراض جانبيّة أحيانًا. تجدر الإشارة إلى أنّه على الرغم من الأعراض الجانبيّة، العلاج الدوائي يوقف النوبة الذهانيّة ويساعد على تجنّب النوبة التالية. تتوفّر اليوم وسائل جيّدة لوقف النوبة الذهانيّة، ولتجنّب النوبة التالية.
الأعراض الجانبيّة المحتملة: بما أنّ الدواء يعرقل الدوبامين D2، فهو يؤثّر أيضًا على دوبامين D1 المرتبط بداء الشلل الرعاشي (باركنسون). لذلك، يد يصاب المريض بالرعاش، ضعف العضلات وعدم الاستقرار وتحرّك القدمين (التململ-Akathisia). من الأعراض الجانبيّة الأخرى التي تميّز الأدوية المضادّة للذهان: ازدياد الشهيّة وتغيرات أيضيّة على مستوى الدهنيّات في الدم وعلى مستوى السكّر في الدم. نظرًا لوجود أعراض جانبيّة، هناك حاجة لمراقبة وملاءَمة الجرعات وأنواع الدواء، وفقًا لحالة المريض.
علاج نفسي مساعِد - عندما يعاني شخص من نوبة ذهانيّة، يستحسن أن يتلقّى أيضًا علاجًا نفسيًا مساعدًا إلى جانب العلاج الدوائي. لا يستحسن تلقّي علاج نفسي معمّق بواسطة التحليل النفسي - فعندما تظهر على المتعالِج أعراض مثل الأفكار الاعتقادات الزائفة، الأصوات والتخيّلات - ليس هناك مكان لعلاج يمكنه أن يعمل ضدّ قدرته على العودة إلى طبيعته وعلى الانتظام مجدّدًا.
ملخّص: الفصام هو مرض له أشكال ومميّزات عديدة. في بعض الأحيان، تكون درجة المرض خفيفة ويستجيب المريض للعلاج الدوائي بصورة جيّدة، وفي حالات أخرى قد يصبح المرض مزمنًا ويؤدّي إلى صعوبات في الأداء. من المهمّ أن يواظب الشخص الذي استجاب جيًدا للعلاج الدوائي على العلاج وفقًا لقرار الطبيب، وعدم وقف العلاج وذلك لتجنّب حالة "الباب الدوار" مع المرض: علاج > تحسّن > وقف العلاج الدوائي > احتمال حدوث نوبة ذهانيّة أخرى والحادة إلى الاستشفاء مرّة أخرى.
في حالة النوبة الذهانيّة، وتفاديًا للحالة المزمنة، يقدَّم علاج طوارئ فوري بهدف وقف النوبة ومنع تفاقم الأعراض وظهور "الأعراض السلبيّة". نجاح العلاج الدوائي في منع النوبة الذهانيّة التالية هو أمر حاسم في حياة المريض، فبإمكان الطبّ اليوم أن يتعامل بشكل أفضل مع الاعراض "الإيجابيّة"، بينما هناك قيود كثيرة في علاج الأعراض "السلبيّة". لغرض تطوير أدوية جديدة وناجعة في علاج الأعراض "السلبيّة" التي تستمرّ لفترات أطول، تجري أبحاث كثيرة حول العالم من أجل تطوير جيل جديد من الأدوية التي يمكنها أن تساعد المتعالِج على العودة إلى أدائه الكامل بعد علاج الأعراض "الإيجابيّة".
د. يعكوف حرمون هو طبيب مختصّ في الطبّ النفسي، مدير المركز الطبّي في ريشون لتسيون للتشخيصات والعلاجات النفسيّة.
Zap Doctors.