متلازمة داون
متلازمة داون (Down Syndrome) وتسمى أيضاً متلازمة تثلث الصبغي 21، هي الاعاقة العقلية الأكثر شيوعاً في العالم. وتصيب متلازمة داون طفلاً من كل 800 مولود جديد. سبب متلازمة داون هو خلل في الجينات، مما يؤدي لخلل في مبنى الكرومزومات (Chromosomes)- تُسمى أيضاً الصبغيات. الكروموزومات هي المبنى الذي تُحفظ فيه الجينات التي يرثها الانسان من والديه. بشكل طبيعي تحوي كل خلية من خلايا الانسان 23 زوجاً من الكرومزومات- أي 46 كروموزوم- ولكل زوج رقم من 1 حتى 23.
يولد أطفال متلازمة داون مع ثلاثة كروموزومات من الكروموزوم رقم 21، بدلاً من اثنين. لا يُعرف لماذا يولد هؤلاء الأطفال مع كروموزوم اضافي، وتوجد عدة نظريات وعدة عوامل خطورة ترتبط بالأمر. يتميز أطفال متلازمة داون بتغييرات في المظهر الخارجي، وقد يشكون من عدة مشاكل صحية وعدة أمراض، سنذكرها لاحقاً. لا يمكن الشفاء من متلازمة داون، لكن من المهم علاج الأمراض والمضاعفات التي يشكو منها هؤلاء الأطفال، ومن المهم الحفاظ على نمو وتطور سليم بالاضافة الى محاولة ادخالهم للمجتمع بشكل سليم وملائم.
العامل الأهم الذي قد يزيد من احتمال متلازمة داون، هو جيل الأم. يزداد احتمال ولادة طفل مع متلازمة داون كلما تقدم سن الأم. 75% من الأطفال المولودين مع متلازمة داون، هم أطفال لأمهات قد بلغن سن الخامسة والثلاثين. توجد دراسات تظهر أن جيل الأب المتقدم عند ولادة الطفل قد تزيد من احتمال متلازمة داون، لكن الأمر لا زال قيد البحث. يزداد الاحتمال لولادة طفل مع متلازمة داون، اذا ما ولد طفل سابق مع متلازمة داون.
نظراً لأن متلازمة داون هي حالة شائعة لدى الأطفال، يُنصح باجراء اختبارات تحري خلال الحمل. والهدف من الاختبارات هو تشخيص متلازمة داون قبل الولادة. ابتداءً من الأسبوع الخامس عشر للحمل يُنصح القيام باختبارات تحري (Screening) وهي اختبارات هدفها تشخيص أمراض (خاصةً الوراثية) أو المتلازمات لدى الجنين. أهم الاختبارات هي:
- الفحص الثلاثي (Triple Test): اختبار لتقدير خطورة حدوث متلازمة داون (Down Syndrome). الاختبار هو اختبار دم حيث تُفحص في الدم نسبة كل من: ألفا فتوبروتين (Alfa Fetoprotein)، هرمون الحمل (Beta HCG)، الاستريول (U-E3) وهو الاستروجين الذي تُنتجه المشيمة (Placenta). وفقاً لنسبة هذه المواد في الدم يُجرى تقدير احصائي لخطورة حدوث متلازمة داون لدى الجنين. يُمكن اجراء الاختبار بين الأسبوع الخامس عشر والثامن عشر.
- الفحص الرباعي (Quadruple Marker Screening Test): اختبار اخر لتحري وتقدير خطورة متلازمة داون (Down Syndrome). الاختبار هو اختبار دم حيث تُفحص في الدم نسبة كل من: ألفا فتوبروتين (Alfa Fetoprotein)، هرمون الحمل (Beta HCG)، الاستريول (U-E3)، الانهيبين أ- عامل مثبط للهرمونات في الخصية (Inhibin A). يُعتبر الاختبار الرباعي أكثر نوعية ودقة من الاختبار الثلاثي، ويُمكن بواسطته تقدير خطورة حدوث متلازمة داون بشكل أدق من الاختبار الثلاثي.
اذا ما كان أحد الاختبارات مشبوهاً لمتلازمة داون، يجب اجراء اختبار بزل السلى (Amniocentesis). بزل السلى (Amniocentesis): اختبار تحري يُجرى بين الأسابيع الخامس عشر والثامن عشر للحمل. كما أن الاختبار يُجرى اذا ما كان أحد الاختبارات الثلاثي أو الرباعي مشبوهاً. هدف الاختبار هو تشخيص متلازمة داون او متلازمات وأمراض وراثية أخرى. خلال الاختبار يتم ادخال حُقنة الى الكيس السلوي، عبر البطن وذلك بتوجيه التخطيط فوق الصوتي (Ultrasound)، ومن ثم يتم شفط السائل السلوي الى الحقنة. يُمكن اختبار السائل السلوي في المختبر وذلك لتشخيص أمراض عديدة مثل متلازمة داون، وعيوب خلقية. أخطر الأعراض الجانبية لبزل السلى هو الاجهاض (Abortion).
معظم أطفال متلازمة داون يملكون ذات الخصائص، ويُمكن تمييزهم عن باقي الأطفال. الا أن تمييز أطفال متلازمة داون قد يكون أمراً ليس سهلاً.
خصائص متلازمة داون لدى الأطفال الرضع:
- الوجه المسطح وخاصة جسر الأنف.
- اللسان الكبير البارز.
- الجلد الزائد في ظهر الرقبة.
- عيون مائلة للأعلى.
- نقص توتر العضلات (Hypotonia) بحيث تكون عضلات الطفل ضعيفة.
- مرونة زائدة في المفاصل.
- اذان مطوية أو صغيرة.
- قصر الرأس (Brachycephaly).
- تجعد راحي عرضي: وهو عبارة عن خط بارز عرضي في منتصف راحة اليد.
- فجوة واسعة بين الاصبعين الأول والثاني في القدم.
يكون وزن ولادة الأطفال الرضع طبيعياً.
عند نمو الأطفال المولودين مع متلازمة داون، فان علامات أخرى قد تظهر وتشمل التالي:
- طيات الجلد الزائدة على الجفون.
- شذوذ في الأسنان.
- اليدين القصيرتين والواسعتين.
- قصر العنق.
- يكون أطفال داون عادةً أقصر من باقي الأطفال في ذات السن.
- تأخر في النمو والتطور العقلي، الفكري، الحركي، اللغوي.
- قصر النظر بحيث يحتاج الكثير منهم لنظارات.
بالاضافة للمظهر الخارجي المميز لمتلازمة داون، فان المتلازمة قد تؤدي لمضاعفات عديدة طبية. بعض هذه المضاعفات شديدة وقد تشكل خطراً على الطفل وتحتاج للعلاج. لتفادي المضاعفات وضررها من المهم أن يتابع الطفل الحامل لمتلازمة داون الطبيب بشكل دائم. أهم المضاعفات التي تصيب الأطفال حاملي متلازمة داون:
- أمراض القلب الخلقية: حوالي نصف الأطفال حاملي متلازمة داون يشكون من أمراض القلب الخلقية. في معظم الحالات يكون العيب الخلقي في الجدار الفاصل بين البطينين الأيمن والأيسر في القلب، بحيث توجد فجوة في الجدار. يؤدي الأمر لاختلاط الدم بين البطين الأيمن والأيسر مما يؤدي لأعراض عديدة.
- عيوب خلقية في الجهاز الهضمي: 10% من مرضى داون يشكون من عيوب في الجهاز الهضمي، خاصةً في المعدة والاثني عشر. قد تؤدي هذه العيوب الخلقية الى انسداد الجهاز الهضمي مما يتطلب المعالجة الجراحية العاجلة. كما أن الأطفال حاملي متلازمة داون يصابون بالداء البطني (Celiac Disease) أكثر من غيرهم.
- أمراض الدم: كثرة الحمر (Polycythemia) هو أمر شائع عند الولادة. لكن الأمر المقلق لدى أطفال داون هو احتمال اصابتهم بسرطان الدم من نوع اللوكيميا (Luekemia). قد يصابون بسرطان الدم في السنة الأولى من حياتهم أو بعد ذلك.
- ضعف جهاز المناعة: يُعرف جهاز المناعة لدى الأطفال حاملي متلازمة داون بضعفه، وكنتيجة لهذا الخلل الوظيفي، فان أطفال داون يشكون من قابلية شديدة للعدوى على أشكالها- الفيروسية، الجرثومية وغيرها.
- أمراض الغدد الصم: قد يشكو الأطفال من قصور الغدة الدرقية (Hypothyroidism)، سواء الخلقي أو المكتسب خلال الحياة. يجب علاج الأمر بتناول هرمونات الغدة الدرقية. كما أن أطفال داون يشكون من السكري المتعلق بالانسولين (Type 1 Diabetes)- أي السكري من النوع الأول.
- انقطاع النفس الانسدادي الليلي (OSA- Obstructive Sleep Apnea): نسبة لا بأس بها من الأطفال الحاملين لمتلازمة داون يشكون من انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم. قد يرتبط الأمر بالسمنة والوزن الزائد، الا أنه قد يحدث دون السمنة. من المهم علاج انقطاع النفس الانسدادي لأنه يحمل العديد من المضاعفات. علاج انقطاع النفس الانسدادي النومي يكون بواسطة جهاز تنفس ليلي.
- الزهايمر (Alzheimer): أطفال داون معرضون أكثر من غيرهم للاصابة بمرض الزهايمر عند التقدم في السن، ويؤدي الأمر للخرف مما قد يؤدي لوفاتهم مبكراً.
- أمراض الهيكل العظمي: كما ذكر فان الأطفال الحاملين لمتلازمة داون يشكون من ليونة زائدة في المفاصل، وخاصةً في المفصل الذي يصل بين الرأس والرقبة. غالباً لا يؤدي الأمر لأية أعراض، لكن قد يؤدي لألم في الرقبة، أو لامالة الرأس لجانب واحد. في الحالات القصوى فان عدم اتزان المفصل قد يؤدي لضرر للنخاع الشوكي مما يسبب الشلل.
- الاعاقة العقلية: مُعظم أطفال داون يشكون من اعاقة عقلية ما، وتختلف درجة هذه الاعاقة بين طفل لاخر وقد تكون شديدة في بعض الأحيان. رغم الاعاقة، فالكثير من أطفال داون يستطيعون التصرف بشكل طبيعي، وتعلم أشياء أساسية والقيام بعدة وظائف أساسية في الحياة. تؤثر الاعاقة العقلية على نمو الطفل وعلى تطوره العقلي مما يجعلهم يتأخرون في درجة النمو العقلي عن باقي الأطفال. قد يكون بعض أطفال داون ذوي احتياجات خاصة.
- النمو: عادةً يكون الأطفال حاملي متلازمة داون قصار القامة، ويكون رأسهم أصغر. كما أن نمو أطفال داون أبطئ من العادة، وقد لا يصلون لذات القامة التي يصلها أطفال اخرين. رغم أن نمو أطفال داون يعد بطيئاً، الا أن وزنهم يزداد بكثرة نظراً لبطء عمليات الأيض في جسمهم. لذا يُنصح بممارسة النشاط البدني واتباع حمية غذائية سليمة لحمايتهم من السمنة والوزن الزائد.
- الرؤية: قصر النظر، بعد النظر، ومشاكل أخرى في الرؤية قد يشكو منها الأطفال الحاملين لمتلازمة داون. غالباً ما يحتاج أطفال داون لنظارات.
- فقدان السمع: 80% من الأطفال حاملي متلازمة داون يشكون من ضعف السمع وقد يتطور الأمر لفقدان السمع الكامل.
- الجلد: مشاكل الجلد التي يشكو منها أطفال داون هي:
الجلد السميك على راحة اليد وراحة القدم.
جفاف الجلد.
تقشر الجلد في الرأس وفي أماكن أخرى.
لا تشكل هذه الأعراض خطورة ونادراً ما تحتاج لعلاج ما.
- الاضطرابات النفسية: بعض الاضطرابات الشائعة لدى أطفال داون هي الاضطرابات النفسية كاضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، واضطراب العصبية وغيرها.
غالباً ما يتم تشخيص متلازمة داون خلال الحمل. يُمكن تشخيص متلازمة داون من خلال الشكل الخارجي للطفل، ومن ثم تأكيد التشخيص بواسطة اختبار دم يختبر كروموزومات الطفل. يسمى هذا الاختبار بالنمط النووي (Karyotype) وهو اختبار لمحتوى خلايا الطفل تحت الميكروسكوب، يُمكن من خلاله مشاهدة مبنى الكروموزومات.
لا يوجد علاج محدد لمتلازمة داون، ولكن هناك امكانيات علاج عديدة لمضاعفات متلازمة داون. هذا هو السبب في أهمية متابعة هذه المضاعفات على فترات منتظمة طوال مقتبل عمر الطفل.
من المهم اجراء فحص روتيني للطفل الذي يحمل متلازمة داون، مما يساعد على ضمان انه سوف يحصل على العلاج المناسب في أقرب وقت. على سبيل المثال، قد يكون الطفل بحاجة لعملية جراحية لعلاج أمراض القلب الخلقية. أو قد يحتاج النظارات أو أجهزة تحسين السمع - ليس فقط لتحسين الرؤية أو السمع، ولكن أيضا لتطوير القدرة على التعلم والفهم.
طبعاً فان حاملي متلازمة داون لا يعمرون كغيرهم من الأشخاص، ويتوفون في جيل مبكر. لكن يُمكن القول أن هناك تقدم من حيث الجيل الذي يبلغونه، ففي السابق لم يعمر هؤلاء الأشخاص أكثر من 20-30 سنة. أما في وقتنا الحالي، ومع تلقي العلاج الداعم الملائم للمضاعفات، فان الأشخاص الحاملين لداون قد يعمرون 40-50 سنة. هذه أهمية أخرى لعلاج المضاعفات بشكل ملائم وفي الوقت المناسب.