غزارة الحيض
غزارة الحيض (Menorrhagia) هو اضطراب من اضطرابات الدورة الشهرية، ويكون فيها النزيف خلال الحيض غزيراً أو يستمر أكثر من المعتاد. خلال الدورة الشهرية، فان المرأة تفقد ما يقارب 20-40 ملمتر من الدم أثناء الحيض، ويستمر الحيض لمدة 3-6 أيام. يُمكن أن يبلغ الحيض 80 ملم من الدم، ولا يزال يُعتبر طبيعياً. غزارة الحيض هو اضطراب يؤدي لفقدان أكثر من 80 ملم من الدم، أو استمراره لأكثر من 7 أيام. يُمكن القول أن كمية الدم أكثر من 5-6 ملاعق الشاي. أبرز مضاعفات غزارة الحيض، فقر الدم الناتج عن فقدان الدم.
عدة أمور تؤثر على كمية النزيف خلال الحيض. الهرمونات (الاستروجين والبروجسترون)، مبنى بطانة الرحم، وأخرى تؤثر على النزيف وكميته. لذا فان أسباب غزارة الحيض تتعلق بالأمور أعلاه.
· عدم الاباضة وعدم انتظام الدورة الشهرية قد تؤدي لغزارة الحيض، وذلك بسبب عدم انتظام نسبة الهرمونات. الحالة الأبرز لعدم الاباضة هي انقطاع الحيض الدائم (Menopause).
· متلازمة المبيض متعدد الكيسات (PCOS- Polycystic Ovary Syndrome): متلازمة تصيب النساء وتؤدي لتعدد الكيسات في المبيض، ولعدم انتظام الدورة الشهرية وغزارة الحيض، اثر تغييرات في نسبة الهرمونات في الجسم.
· السلائل الرحمية (Uterine Polyps): السلائل هي أورام تنشأ من بطانة الرحم وتنمو داخل الرحم أو عنق الرحم، وتبرز الى الجوف. هذه الأورام الحميدة عادةً، قد تحوي أوعية دموية ومن الممكن أن تنزف بشدة خلال الحيض وتؤدي لغزارة الحيض.
· الورم العضلي الأملس الرحمي (Uterine Myoma): ورم حميد قد ينشأ من عضل الرحم، وقد يحوي أوعية دموية. لذا من الممكن أن ينزف ويؤدي لغزارة الحيض.
· فرط تنسج بطانة الرحم (Endometrial Hyperplasia): فرط تنسج بطانة الرحم هو حالة من النمو المفرط للبطانة، وقد تتفاقم هذه الحالة لسرطان الرحم.
· سرطان الرحم (Endometrial Carcinoma).
· الأمراض الدموية التي تؤدي للنزيف، وأبرزها مرض فون ويليبراند الوراثي (Von Wiliibrand) وقلة الصفائح الدموية (Thrombocytopenia).
· تغييرات في تناول حبوب منع الحمل.
· مرض التهاب الحوض (PID- Pelvic Inflammatory Disease).
· أمراض الغدة الدرقية وخاصةً فرط الغدة الدرقية (Hyperthyroidism).
· السكري.
· الأدوية: الستيرويد قد يؤدي لغزارة الحيض. كما أن تناول الأدوية التي تؤدي لعدم تجلط الدم كالكومادين (Coumadin) قد يؤدي لغزارة الحيض.
· عملية جراحية في الرحم في الاونة الأخيرة.
عند غزارة الحيض، فان المرأة تلاحظ غزارة في النزيف خلال الحيض. يُمكن أن تلاحظ المرأة الأمور التالية:
- الحيض المستمر لأكثر من سبعة أيام.
- استخدام الكثير من الحفاضات القطنية المعدة لامتصاص النزيف.
- تغيير الحفاضات القطنية في الليل.
- ظهور دم متخثر في الحيض، مما يدل على غزارة الحيض.
- قد يؤدي غزارة الحيض لفقر الدم الناتج عن فقدان الدم، وعندها تشعر المرأة بالتعب، الارهاق، يظهر الشحوب في الوجه، وقد تشعر بضيق النفس أو ألم الصدر في الحالات القصوى.
يعتمد تشخيص غزارة الحيض على التاريخ المرضي والفحص الجسدي، وقد يتطلب اجراء بعض الاختبارات لتشخيص مضاعفات وأسباب غزارة الحيض. من المهم أن يطلع الطبيب على التاريخ المرضي للمرأة وعلى أعراضها المختلفة، ويعرف وتيرة استخدام الحفاضات القطنية لتقدير كمية الحيض. خلال الفحص الجسدي فان الطبيب يُجري فحصاً كاملاً للاطلاع على علامات قد تدل على غزارة الحيض كالشحوب، والاطلاع على علامات قد تدل على سبب غزارة الحيض. بالاضافة الى ذلك سيُجري الطبيب الفحص المهبلي لفحص الجهاز التناسلي ومحاولة تشخيص أسباب غزارة الحيض. اذا ما شكت المرأة من أعراض غزارة الحيض عليها التوجه لطبيب نسائي.
الاختبارات: تُجرى الاختبارات لتشخيص مضاعفات وأسباب غزارة الحيض. لا تُستخدم جميع الاختبارات في جميع الحالات، انما تُجرى الاختبارات الضرورية وفقاً للحالة.
- تعداد الدم الكامل (CBC- Complete Blood Count): يُجرى الاختبار لتشخيص فقر الدم اذا وجد، ولاستبعاده. بالضافة الى ذلك فان الاختبار يُشخص قلة الصفائح الدموية في حال وجودها.
- اختبار نسبة هرمونات الغدة الدرقية في الدم لتشخيص فرط الغدة الدرقية.
- اختبارات تخثر الدم لتشخيص الأمراض الدموية.
- التخطيط فوق الصوتي (Ultrasound): التخطيط فوق الصوتي هو اختبار تصويري لرؤية الرحم وأعضاء الجهاز التناسلي الداخلية. يعمل التخطيط فوق الصوتي بناءً على ارسال موجات فوق صوتية من جهاز خاص الى الجسم، ومن ثم تُعكس هذه الموجات ليلتقطها الجهاز ويحولها الى صورة. يُمكن وضع الجهاز على جلد البطن أو الحوض، أو في داخل المهبل- Trans Vaginal Ultrasound. يُستخدم اختبار التخطيط فوق الصوتي لتشخيص السلائل الرحمية، متلازمة المبيض متعدد الكيسات، الورم العضلي الأملس الرحمي وأمراض أخرى.
- تنظير الرحم (Hysteroscopy): خلال الاجراء يتم ادخال منظار أنبوبي الشكل الى داخل جوف الرحم. توجد كاميرا في طرف المنظار، ويُمكن رؤية داخل الرحم، تشخيص أسباب غزارة الحيض داخل الرحم، واستخراج عينة من بطانة الرحم. العينة المستخرجة يُمكن فحصها في المختبر تحت المجهر، وبذلك يُمكن تشخيص عدة أمراض كفرط تنسج بطانة الرحم، سرطان الرحم أو سلائل الرحمية وأخرى.
الوسائل المتوفرة لعلاج غزارة الحيض هي:
- العلاج بالأدوية.
- المعالجة الجراحية.
غالباً ما يبدا الطبيب العلاج بالأدوية، وفي حال فشل العلاج بالأدوية واستمرار غزارة الحيض، يُمكن اجراء المعالجة الجراحية. رغم ذلك، فان حالات معينة من غزارة الحيض تحتاج للمعالجة الجراحية مباشرةً، ويتعلق الأمر بسبب غزارة الحيض، كسرطان الرحم أو السلائل الرحمية. ان اختيار العلاج المناسب للمرأة من بين امكانيات العلاج المتوفرة تتعلق بحالة المرأة وسبب غزارة الحيض.
العلاج بالأدوية
توجد عدة أدوية لعلاج غزارة الحيض، ويتعلق اختيار الدواء المناسب بسبب غزارة الحيض. معظم الأدوية المتوفرة تعمل على تنظيم نسبة الهرمونات في الجسم، وبذلك تحافظ على انتظام الدورة الشهرية، وتقلل من غزارة الحيض.
وسائل منع الحمل الهرمونية: وسائل منع الحمل الهرمونية عديدة وتشمل حبوب منع الحمل، اللصقات الجلدية، الحلقة المهبلية، حقنة منع الحمل، وحتى اللولب الرحمي المطلق لليفونورجيستريل (Levonorgesterel-Releasing IUD). جميع هذه الوسائل تُستخدم لعلاج غزارة الحيض، وتُسكن الألم خلال الحيض، وتُقلل من شدة النزيف ومن وتيرته. يستمر العلاج بوسائل منع الحمل الهرمونية لعدة أشهر، ويُمكن ملاحظة نتائج العلاج فقط بعد مرور ثلاثة أشهر على الأقل. تعمل جميع وسائل منع الحمل الهرمونية على التحكم بنسبة الهرمونات استروجين وبروجسترون في الدم، وبذلك تُقلل من أعراض غزارة الحيض المتعلقة بهذه الهرمونات. لذا فان وسائل منع الحمل الهرمونية من الأدوية الأولى التي يتم استخدامها لعلاج غزارة الحيض. الأعراض الجانبية المُنتشرة التي قد تؤدي لها حبوب منع الحمل، كالغثيان، ألم الثدي، انتفاخ البطن، تقلب المزاج، النزيف المهبلي في غير موعد الحيض، الشقيقة (Migraine)، زيادة الوزن وأخرى. مُعظم هذه الأعراض الجانبية طفيفة وتزول خلال الأشهر الأولى من استخدام حبوب منع الحمل. مضاعفات حبوب منع الحمل الخطرة كالانصمام الخثاري وضغط الدم المرتفع، نادرة الحدوث لدى النساء تحت سن ال35 والغير مدخنات.
مضادات حل الفيبرين (Antifibrinolytic Drugs): أدوية هدفها وقف نزيف الحيض وبسرعة، وغالباً ما تُستخدم في حال كان نزيف الحيض شديداً. تُساعد مضادات حل الفيبرين على تخثر الدم وبذلك توقف النزيف. توقف الأدوية النزيف بسرعة، ويتم تناولها شهرياً حول الحوض، أو لعلاج غزارة الحيض الشديد الذي قد يؤدي لفقدان الكثير من الدم. أبرز الأدوية من هذه المجموعة حمض الترانيكساميك (Tranexamic Acid). أهم الأعراض الجانبية لمضادات حل الفيبرين هي ألم الرأس وألم العضلات. من المهم عدم تناول مضادات حل الفيبرين مع وسائل منع الحمل الهرمونية، وذلك لأن الأمر يزيد من خطورة تخثر الدم والجلطات الدموية.
الحبوب المقتصرة على البروجستيرون: بعض الحبوب تحوي البروجسترون فقط، وتُسمى أيضاً بحبوب منع الحمل البسيطة (Mini Pill). تُستخدم هذه الحبوب في حال وجود موانع استعمال الحبوب التقليدية التي تحوي الاستروجين، كحال النساء الحوامل أو المصابات بالشقيقة أو ضغط الدم المرتفع أو المدخنات. تتوفر حقن أيضاً تحوي البروجستيرون. كحبوب منع الحمل التقليدية، فان البروجستيرون يُقلل من وتيرة وشدة الدورات الشهرية والنزيف، ويعمل كمسكن للألم. أهم الأعراض الجانبية هي الانتفاخ، زيادة الوزن، وعدم انتظام الحيض.
الهرمون المطلق لموجهة الغدد التناسلية (GnRH- Gonadotropin Releasing Hormone): هرمون طبيعي في الجسم ويُمكن تناول مواد اصطناعية مشابهة له، وتؤدي الى وقف افراز هرمون الاستروجين من المبيض مما يؤدي لتقلص نسيج بطانة الرحم (المُعتمد على الاستروجين في نموه) وبذلك يُقلل من غزارة الحيض. يُعتبر العلاج ناجعاً ويؤدي لتسكين الألم وغزارة الحيض، لكنه يُستخدم للتحضير للمعالجة الجراحية غالباً. تتوفر عدة أدوية ويُمكن تناولها كرذاذات أنفية أو حقن. غالباً لا يُستخدم هذا العلاج لمدة أكثر من سنة، وذلك لأنه يؤدي للعديد من الأعراض الجانبية وأبرزها هشاشة العظام (Osteoporosis).
مضادات الالتهاب اللاستيرويدية (NSAIDS- Non Steroidal Anti Inflammatory Drugs): أدوية تعمل كمسكنات للألم، وتُخفف ألم الحيض وغزارة الحيض. لا تمنع مضادات الالتهاب اللاستيرويدية النزيف ، انما تُقلل منه وتُسكن الألم ، لذا تحتاج المرأة لعلاج اخر بالاضافة لمضادات الالتهاب اللاستيرويدية. رغم أن الأدوية يُمكن استخدامها الا أنها غير ناجعة كباقي الأدوية أعلاه. توجد عدة أدوية من مجموعة مضادات الالتهاب اللاستيرويدية، وتختلف جرعة وفترة تناول الأدوية المختلفة. أبرز الأدوية المستخدمة هي:
- الايبوبروفين (Ibuprofen).
- النابروكسين (Naproxen).
غالباً ما يتم تناول جرعتين في اليوم، أو ربما يصف الطبيب أكثر من ذلك. من المهم تناول الأدوية بعد الطعام وذلك لحماية المعدة من مضاعفات قرحة المعدة. أهم الأعراض الجانبية لمضادات الالتهاب اللاستيرويدية:
ضرر للكلى وقد تسبب فشل الكلى.
داء القرحة الهضمية.
ضغط الدم المرتفع.
ضرر للكبد وقد تسبب التهاب الكبد.
رغم خطورة هذه الأعراض الجانبية، الا أنها قليلة الحدوث لدى النساء صغيرات السن، وخاصةً اذا لم تتناول المرأة الأدوية لمدة مستمرة.
المعالجة الجراحية
المعالجة الجراحية هي امكانية العلاج الأخيرة المتوفرة لغزارة الحيض، وغالباً ما يتم اجرائها بعد فضل العلاج بالأدوية. كما أن المعالجة الجراحية تُجرى لبعض أسباب غزارة الحيض، كسرطان الرحم، الورم العضلي الأملس الرحمي والسلائل الرحمية. توجد عدة عمليات جراحية لعلاج غزارة الحيض، واختيار العلاج المناسب يتعلق بحالة المرأة، سبب غزارة الحيض ورغبتها في الحمل بعد المعالجة الجراحية.
استصال الورم العضلي (Myomectomy)، استئصال السلائل واستئصال سرطان الرحم هي امكانيات لعلاج الأسباب لغزارة الرحم. توجد عدة امكانيات علاج لهذه الحالات التي تؤدي لغزارة الحيض.
جذ بطانة الرحم (Endometrial Ablation): جذ بطانة الرحم هو اجراء يُجرى عند تنظير الرحم ويتم خلاله جذ بطانة الرحم بالحرارة المرتفعة، مما يؤدي لتدميرها. في الواقع فان جذ بطانة الرحم هو اجراء جراحي للتقليل من النزيف وغزارة الحيض. يُمكن اجراء جذ بطانة الرحم بعد علاجات جراحية أخرى أو خلال زيارة في عيادة الطبيب. لا يؤدي جذ بطانة الرحم الى العقم، لكن ليس من السهل الحمل بعد اجرائه وليس من المفضل، لذا ينصح الأطباء باجراء جذ بطانة الرحم فقط اذا ما رغبت المرأة في عدم الحمل في المستقبل. أهم الأعراض الجانبية لجذ بطانة الرحم هي الغثيان، الافرازات المهبلية أو بعض الألم في الحوض، وغالباً ما تزول هذه الأعراض بعد مرور عدة ساعات.
استئصال الرحم (Hysterectomy): عملية جراحية لاستئصال الرحم بالكامل وبذلك. يُمكن اجراء العملية الجراحية المفتوحة، بتنظير البطن أو تنظير الرحم. في جميع الأحوال فان العملية الجراحية لاستئصال الرحم تُجرى عندما ترغب المرأة بعدم الحمل مرة أخرى. استئصال الرحم هو العلاج الأفضل والشافي لغزارة الحيض.