الولادة الطبيعية
يستمر الحمل الطبيعي لمدة 37-42 أسبوعاً، وفي نهايته يولد الجنين. الولادة هي عملية طبيعية في الحمل تؤدي الى خروج الجنين من الرحم الى العالم الخارجي. طبياً فان الولادة هي سلسلة من تقلصات الرحم الشديدة والتي تؤدي الى توسع عنق الرحم، مما يؤدي الى خروج محتوى الحمل (أي الجنين والمشيمة) عبر المهبل.
تُعتبر الولادة واحدة من أهم لحظات حياة المرأة الحامل، الجنين والعائلة أجمع. ليست الولادة بالأمر السهل فانها تؤلم وقد ينتج عنها العديد من المضاعفات، رغم أن حدوثها غير شائع. مع ذلك، على المرأة الحامل توخي الحذر والتعرف على أعراض وعلامات الولادة والتوجه للطبيب النسائي اذا وجدت.
عندما تذكر الولادة عادةً يكون القصد الولادة الطبيعية (Normal Delivery)- أي خروج الجنين من الرحم عبر المهبل. الا أن أنواع أخرى من الولادة قد توجد كالولادة القيصرية، والتي هي عملية جراحية لاخراج الجنين من الرحم.
ان الهدف من المعالجة خلال الولادة هو توفير الأمان للأم والوليد، وتجنب المضاعفات وعلاجها اذا ما ظهرت.
على المرأة الحامل معرفة أن تغييرات طبيعية عديدة قد تحدث قبل الولادة بعدة أسابيع وتؤدي الى علامات تدل على الولادة:
· تقلصات براكستون هيكس (Braxton Hicks Contractions): تظهر قبل الولادة ب 4-8 أسابيع، وهي تقلصات غير مؤلمة للرحم، قد تشعر بها المرأة كل 10-20 دقيقة، وتزداد وتيرتها وشدتها عند اقتراب الولادة. لا تؤدي هذه التقلصات الى الولادة، وهي تقلصات كاذبة.
· يدخل رأس الجنين الى أسفل الحوض، وترتفع رجليه الى أعلى الرحم. تساعد هذه الوضعية على ولادة الجنين، حيث يخرج الرأس أولاً. يحدث هذا التغيير حوالي أسبوعين قبل الولادة. قد تشعر المرأة الحامل بتحرك الجنين الى أسفل الرحم.
· يتوسع عنق الرحم عند اقتراب الولادة.
· افرازات مخاطية مهبلية قد تكون مصحوبة بالدم تظهر عند اقتراب الولادة.
· تمزق الأغشية (Rupture Of Membranes): تدل كثيراً على اقتراب الولادة. تمزق الأغشية هو تمزق للأغشية المحيطة بالجنين في الرحم، مما يؤدي الى افراز السوائل المحيطة بالجنين من المهبل، وغالباً ما تُفرز السوائل بكمية كبيرة وبشكل مفاجئ. يُعرف تمزق الأغشية بالعامية بسقوط ماء الرأس.
- تقلصات الرحم (Uterine Contractions): تُسمى أيضاً بالمخاض. تقلصات الرحم هي ألم في البطن أو الحوض ناتج من تقلص الرحم، عند اقتراب الولادة. غالباً ما تكون التقلصات على الأقل مرتين خلال نصف ساعة، تزداد وتيرتها وشدتها مع اقتراب الولادة. تُنبأ تقلصات الرحم بالولادة اذا ما توفرت الأمور التالية:
مدة التقلصات 30-90 ثانية.
تحدث التقلصات كل 2-4 دقائق.
أكثر من أربعة تقلصات في 20 دقيقة، أو أكثر من 8 تقلصات خلال ساعة.
تكون تقلصات الرحم مصحوبة بالألم الحوض، البطن أو الظهر.
لا تختفي تقلصات الرحم عند الاستلقاء أو الراحة.
جميع الأمور أعلاه تُعبر عن التقلصات الحقيقية بعكس تقلصات براكستون هيكس الكاذبة. من المفضل أن تقوم المرأة الحامل بمتابعة وتيرة وشدة تقلصات الرحم، وذلك لتحديد اذا ما كانت الولادة قد اقتربت، كما يُمكنها تسجيل وتيرة التقلصات في جدول.
- توسع عنق الرحم (Cervical Dilatation): عنق الرحم هو الجزء الأول من الرحم والأقرب الى المهبل. يُمكن أن يُلامس الطبيب عنق الرحم عند الفحص المهبلي، واذا ما توسع مقدار سنتيمترين على الأقل، يدل على بداية الولادة. كما أن عنق الرحم يُصبح دقيقاً ويمكن جسه بالفحص الجسدي.
يعتمد تشخيص الولادة الطبيعية على التاريخ المرضي للأعراض والعلامات. على المرأة الحامل التوجه للطبيب اذا ما شكت من أحد الأعراض كالمخاض، الافرازات المهبلية، أو تمزق الأغشية. يقوم الطبيب بالفحص المهبلي لفحص عنق الرحم وتحديد توسعه. كما أن الطاقم الطبي يستطيع جس رأس الجنين، وملاحظة مدى اقترابه للمهبل. يُساعد الفحص المهبلي كثيراً على تحديد مرحلة الولادة وعلى تحديد موعد الولادة المتوقع.
توجد أربعة مراحل للولادة الطبيعية:
· بادرة الولادة (Prodrome): هي المرحلة السابقة للولادة، وخلالها قد تشعر المراة الحامل بتقلصات طفيفة وغير منتظمة. تستمر هذه المرحلة 5-7 ساعات بالمعدل، الا أنها قد تصل الى 20 ساعة.
· المرحلة الأولى للولادة: ظهور تقلصات الرحم المنتظمة، والتي تؤدي لتوسع عنق الرحم، ويُصبح عنق الرحم دقيقاً. تستمر هذه المرحلة 2.5-4.5 ساعات.
· المرحلة الثانية للولادة: تزداد وتيرة تقلصات الرحم في هذه المرحلة، وتستمر 30-60 دقيقة. في هذه المرحلة على المرأة الحامل دفع الوليد الى خارج الرحم. يتطلب الأمر الكثير من الجهد والاستمرار. يُمكن للمرأة الحامل أن تكون بأية وضعية مريحة لها خلال الولادة وذلك لنجاعة دفع الوليد. قد يستمر الأمر عدة دقائق أو أكثر. اذا ما كانت المرأة حامل للمرة الأولى فان الأمر يستغرق أكثر من العادة. تُعتبر المرحلة الأكثر ألماً، لكن سرعان ما يختفي الألم عند خروج الوليد الى العالم الخارجي.
· المرحلة الثالثة للولادة والأخيرة: وهي المرحلة التي تحدث بعد خروج الوليد. خلال المرحلة الأخيرة يتم استخراج المشيمة من الرحم. تخرج المشيمة عادةً خلال 30-60 دقيقة من الولادة.
بعد انتهاء الولادة سيفحص الطبيب أو الممرضة المهبل لاستبعاد النزيف أو أية أضرار أخرى قد تحدث للمهبل، عنق الرحم أو للأنسجة الأخرى نتيجة الاصابة خلال الولادة.
في معظم الحالات، فان الجنين ينتقل الى وضعية يكون فيها رأسه الى الأسفل، باتجاه أسفل الرحم. يبدأ رأس الجنين بالخروج خلال الولادة، ومن ثم الكتفين، الأيدي، جذع الجنين وفي النهاية الأرجل.
في حالات أخرى، قد يكون الجنين في وضعية خاطئة، حيث يبرز الكتف، الرجل أو الظهر الى أسفل الرحم. تُسمى هذه الحالات بالمجيء المقعدي (Breech Presentation)، وهي حالة تصعب ولادتها طبيعياً. اذا ما اكتشف المجيء المقعدي حتى الأسبوع السادس والثلاثين من الحمل، يُمكن محاولة تغييره يدوياً. في حالات أخرى يُمكن محاولة توليد الجنين رغم المجيء المقعدي، الا أن مُعظم الأطباء لا يفعلون ذلك. الحل الأفضل والأخير للمجيء المقعدي هو الولادة القيصرية، حيث يتم ولادة الجنين بواسطة العملية الجراحية القيصرية.
مرحلة ما بعد الولادة هي الساعات المعدودة بعد الولادة، وهي ساعات مصيرية للأم والوليد على حد سواء. خلال هذه الفترة سيراقب الطاقم الطبي الأم للتأكد من عدم النزيف بعد الولادة، حيث يتابع الطاقم الطبي نبض القلب وضغط الدم. على المرأة الحامل ابلاغ الطاقم الطبي بأية أعراض تحدث لها كالدوار، الضعف، أو أعراض أخرى قد تدل على فقدان الدم. يقوم الطاقم الطبي بالفحص المهبلي بعد الولادة للتأكد من عدم وجود مضاعفات كتمزق الأنسجة أو النزيف.
بالنسبة للوليد، يجب الاهتمام به أيضاً بعد الولادة حيث يقوم طبيب أطفال بفحص الوليد فحصاً سريعاً للتأكد من سلامته. يُسمى الفحص باختبار أبغار (Apgar Test)، وهو عبارة عن اختبار للأمور التالية:
· نبض القلب.
· التنفس.
· الحركة.
· العضلات.
· لون البشرة.
وفقاً لذلك يتم تحديد نتيجة الاختبار مباشرةً بعد الولادة وبعد مرور 5 دقائق من الولادة. اذا ما كانت نتيجة الاختبار منخفضة، فان الأمر يتطلب معالجة الوليد مبائرةً وربما انعاشه.
من المهم أن تحمل الأم الوليد قليلاً بعد الولادة، ومن المهم ان تقوم بارضاعه بعدها. كما أنه من المهم جداً أن تبقى الأم قريبة من الوليد. لحليب الأم فوائد عديدة للوليد، وأهمها الوقاية من العدوى ومن مضاعفات الوليد. كما أن الاتصال المباشر بالوليد بعد الولادة يُساعد على بناء علاقة قوية وسليمة بين الأم والوليد، ولا يجب الاستخفاف بهذه لأمور.
يتم تحويل الوليد الى وحدة خاصة للعناية به، تعليم الأمأ؟ الرضاعة والحفاظ على الوليد. من المهم أن يُحقن الوليد بفيتامين ك (Vitamin K) وبعض التطعيمات أهمها التهاب الكبد الوبائي ب (HBV- Hepatitis B Virus)، ودهن مرهم على العيون للحفاظ عليهما من العدوى. كما يقوم الطاقم الطبي بعدة اختبارات لاستبعاد أمراض منتشرة لدى الوليد.
غالباً ما يخرج الوليد والأم من المستشفى بعد يوم أو اثنين اذا لم توجد أية مضاعفات لدى أحدهما بعد الولادة.
تحريض الولادة (Induction Of Labor): اجراء يؤدي الى بدأ الولادة التي لم تبدأ أصلاً.
زيادة الولادة (Augmentation Of Labor): اجراء يؤدي الى ازدياد الولادة التي بدأت.
في بعض الحالات فان الولادة الطبيعية لا تبدأ، أو أنها تبدأ ولا تستمر بشكل طبيعي. لذا يتطلب الأمر تدخلاً من الطاقم الطبي لأجل اخراج الجنين. غالباً ما يتم استخدام الأدوية لأجل ذلك. من الحالات الشائعة التي يتم فيها تحريض وزيادة الولادة: تسمم الحمل، السكري، أمراض قلب المرأة الحامل، الحمل المتأخر، تشوهات الجنين، بطئ نمو الجنين، عسر نمو الجنين، التهاب السائل السلوي وحالات عديدة أخرى.
ممنوع منعاً باتاً تحريض وزيادة الولادة في الحالات التالية: المشيمة المنزاحة، الولادة القيصرية في السابق، المجيء المقعدي.
امكانيات تحريض وزيادة الولادة:
· البروستاجلاندين (Prostaglandin): البروستاجلاندين هي مواد طبيعية تُفرز في الجسم وتعمل على عنق الرحم حيث يُصبح دقيقاً، مما يؤدي لتحريض الولادة. تتوفر مواد البروستاجلاندين كأدوية ويمكن تناولها كحبوب أو عن طريق الوريد. أبرز هذه الأدوية هي الميسوبروستول (Misoprostol).
· ريلاكسين (Relaxin): الريلاكسين هو أيضاً هرمون يُفرز في الجسم، ويساعد على تدقيق عنق الرحم مما يحرض الولادة. يتوفر الريلاكسين على شكل مرهم يُدهن في المهبل.
· القسطرة (Catheter): يُدخل أنبوب صغير الى المهبل ومنه الى عنق الرحم، ويكون في طرفه بالوناً يتم نفخه. عند نفخ البالون فان جدار عنق الرحم يُصبح أدق وبذلك تتعجل الولادة.
· اللامينارية (Laminaria): هي مواد خاصة توضع داخل عنق الرحم ومن ثم تتوسع بعد مرور 6-12 ساعة من وضعها. عندما تتوسع هذه المواد، فان عنق الرحم يُصبح أكثر دقة.
· اوكسيتوسين (Oxytocin): هو هرمون معجل للولادة يمكن تناوله عن طريق الوريد. يُعتبر الاوكسيتوسين الطريقة الأنجع لتعجيل الولادة، ويعمل على زيادة تقلصات الرحم بشكل ملحوظ مما يحرض الولادة جداً.
بضع السلى (Amniotomy): يُستخدم هذا الاجراء فقط في الحالات الحرجة والتي يكون فيها الجنين بخطر. يتم ادخال انبوب الى الرحم حتى يصل كيس السلى ويمزقه، مما يؤدي لتمزق الأغشية. يؤدي الأمر الى زيادة تقلصات الرحم وتحريض الولادة.
ان الولادة مؤلمة بشكل عام، لكن تختلف شدة الألم بين امرأة وأخرى. وينبع الاختلاف من عدة عوامل كعدد الولادات السابق، القدرة على التحمل، وزن الجنين وموضع الجنين داخل الرحم. بسبب كثر الألم خلال الولادة، على الطاقم الطبي تقديم المعالجة المناسبة لكل امرأة لعلاج الألم خلال الولادة.
لا يُمكن الولادة دون الشعور بالألم كلياً، لكن هناك طرق معالجة عديدة لتخفيف الألم بشكل ملحوظ. يتطلب الأمر تعاون المرأة الحامل، كما قد يتطلب العلاج بالأدوية.
تستطيع المرأة الحامل استشارة الطبيب أو الممرضة قبل الولادة للتعرف على امكانيات معالجة الألم خلال الحمل. توجد عدة أمور تستطيع المرأة الحامل ان تقوم بها لتهدئة الألم خلال الولادة:
· الاستلقاء على الجنب الأيسر قبل الولادة، أو تغيير الوضعية بالشكل الذي يُريح المرأة الحامل.
· تساعد تمارين الاسترخاء، التنفس وعلاجات طبيعية أخرى على تخفيف الألم.
العلاج بالأدوية
مسكنات الألم تبقى الحل الأفضل للألم خلال الولادة. توجد العديد من الأدوية المستخدمة. الأدوية الأكثر استخداماً هي:
· الأدوية افيونية المفعول (Opioid): مجموعة من الأدوية الفعالة جداً، وتعمل كمسكنات للألم. أبرز هذه الأدوية هو المورفين (Morphine)، ويُمكن تناولها عن طريق الوريد أو كحقنة في العضل. تعمل هذه الأدوية على تخفيف الألم بشكل ملحوظ، لكن لها عدة أعراض جانبية.
· احصار فوق الجافية (Epidural Block): هذا الاجراء هو تخدير موضعي في منطقة النخاع الشوكي، ويؤدي الى تخدير الأعصاب المسؤولة عن الاحساس في منطقة الحوض والرحم. اجراء الاحصار فوق الجافية هو عبارة عن ادخال ابرة الى الظهر، عند النخاع الشوكي، ومن ثم حقنه بأنواع من التخدير الموضعي. يؤدي الاحصار فوق الجافية الى تخدير جميع الأعصاب التي من تحته، ويعني الأمر أن الأعصاب المسؤولة عن الحركة في الأرجل لن تعمل ولن تستطيع المرأة الحامل أن تمشي. أهم الأعراض الجانبية هي:
عدم القدرة على المشي.
عدم القدرة على دفع الجنين.
ضغط الدم المنخفض والأعراض الناتجة عنه.
ألم الرأس.
في الحالات الخطرة، قد يؤدي احصار فوق الجافية لضرر للقلب والدماغ، الا أن هذه الأعراض نادرة.
رغم وجود أعراض جانبية، الا أن الاحصار فوق الجافية يُعتبر وسيلة جيدة جداً لمعالجة الألم خلال الولادة. بعكس المعتقد، فان الاحصار فوق الجافية لا يزيد من التشوهات الخلقية أو من وفاة الجنين.