المرض الرّئوي المسد المزمن - COPD
هو مرضٌ مُزمن يُصيب الجهاز التَّنفُّسي ويؤدّي إلى ضيق النَّفس.ألأشخاص المُعرَّضون للإصابة بالمرض في الأساس هم أشخاص متقدِّمون في الجيل ولهم تاريخٌ حافل في التَّدخين.
ينقسم المرض إلى مرضين أساسيَّين :
-
إلتهاب القصبات المُزمن (Chronic bronchitis) : إلتهاب مُزمن في القُصيبات الرِّئويَّة, وهي الأنابيب التي تُوصل الهواء من وإلى الرِّئتين. نتيجة هذا الإلتهاب هناك إفراز مُخاط مُفرط إلى داخل هذه الأنابيب مما يُقلِّل من قطرها ويُعرقل مرور الهواء خاصَّةً خلال عمليَّة الزَّفير.
- نُفاخ رئوي (Emphysema) : تتكوَّن الرِّئة من حويصلات هوائيَّة, وهي الأكياس التي يتجمَّع فيها الهواء لتتم عمليَّة تبادل الغازات بينها وبين الدَّم. في الرِّئتين السَّليمتين هذه الحُويصلات تتوسَّع أثناء الشَّهيق, وتنكمش أثناء الزَّفير. هذه الحركة تحدث بفضل وجود بروتين يُسمَّى بالإلاستين (Elastin) وهو بروتين موجود في كافة نسيج الرِّئة. في النُّفاخ الرِّئوي يتعرَّض هذا البروتين للضَّرر فتفقد الرِّئتان قدرتها على الإنتفاخ والتَّقلُّص كما وتفقد قسمًا من الحويصلات, الأمر الذي يؤثِّر سلبًا على قدرتها بتبادل الغازات.
ألمرض الرِّئوي المُسد المُزمن هو عبارة عن مزيج بين هذين المرضين بحيث أنَّ نسبة كل منهما بتكوين المرض تختلف من شخصٍ لآخر.
- ألتَّدخين : يُعتبر السَّبب الأول والأهم, فهو يؤدِّي إلى الإتهاب المُزمن في القُصيبات الرِّئويَّة من جهة, ويضر ببروتين الإلاستين (Elastin) من جهةٍ أخرى لذلك فهو يساهم بحدوث نوعي المرض.
- ألحشيش (ألمارحيوانا) : تدخين السجائر العاديَّة يزيد من الضَّرر الذي يُسبِّبه الحشيش.
- تدخين الغليون : يُسبِّب ضررًا أقل من التَّدخين.
- ألوراثة : أيضًا تلعب دورًا هامًا, وهذا يُفسِّر لماذا فقط %20 من المُدخِّنين يُصابون بالمرض.
- ألجيل : مع تقدُّم الجيل يزداد الخطر للإصابة بالمرض.
- ألتَّعرُّض المُزمن لشتّى المواد الكيميائيَّة والصِّناعيَّة.
- نقص وراثي ببروتين alpha-1-antitrypsin : وهو بروتين رئوي مهم للحفاظ على بروتين الإلاستين.
- أمراض الرِّئة في الخُدَّج تُشكِّل خطرًا للإصابة بهذا المرض خلال الحياة.
يعاني المريض من العوارض بشكلٍ دائم, فرئتيه تعمل أقل من الوضع السَّليم. أهم هذه العوارض :
- ألسُّعال المُستمر.
- إخراج المُخاط مع السُّعال.
- ضيق النَّفس خاصَّةً بعد القيام بجهد جسماني.
- ألزَّراق : عندما تقل نسبة الأوكسوجين في الدَّم.
- ألأزيز (Wheezing) : صوت يُشبه التَّصفير يحدث أثناء الزَّفير. هذا الصَّوت نسمعه أيضًا بمرض الرَّبو.
- يتنفَّس المريض عادةً بشفاهٍ مُغلقة.
- عرض الصَّدر يكبُر. يُسمّى بالصَّدر البرميلي.
بالإضافة إلى الوضع الأساسي السيِّئ للرِّئتين هناك حالات تتفاقم فيها العوارض بشكلٍ خاص وتُسمّى بإشتداد المرض الرِّئوي المُسد المُزمن (COPD exacerbation), خلالها يُعاني المريض من ضيق النَّفس بشكلٍ خاص ومن السُّعال الكثيف الذي قد يُلزم إستشفائه.
يقوم الطبيب بتوجيه الأسئلة للمريض وفحصه جسديًّا بحثًا عن العوارض, فإذا شك بوجود المرض يقوم بإرساله للقيام بفحص ال Spirometry وهو عبارة عن إختبار بسيط لوظائف الرِّئة (Pulmonary function test).
-
Spirometry : ألمشكلة الأساسيَّة في هذا المرض هي عمليَّة الزَّفير أي إخراج الهواء, لذلك يهدف الفحص إلى إظهار إخفاق المريض في إخراج الهواء بشكل سليم.
يقوم المريض بملئ رئتيه بالهواء ويتنفّس إلى داخل جهاز ذات إمكانيَّة لقياس حجم الهواء الذي يعبر عن طريقه. يتم حساب قيمتين :
- FEV1 : وهي كميَّة الهواء القصوى التي بإمكان المريض إخراجها في الثانية الأولى للزَّفير.
- FVC : وهي كميَّة الهواء الكليَّة التي يستطيع المريض إخراجها أثناء الزَّفير.
يتم حساب القيمة FEV1\FVC وهي نسبة الهواء التي يستطيع المريض إخراجها في الثانية الأولى من مجمل الهواء الذي يُخرجه أثناء الزَّفير. معدَّل القيمة السَّليمة هو %80.
يُعرَّف المرض الرِّئوي المُسد المُزمن تحت هذه القيمة, وكلَّما كانت هذه القيمة منخفضة أكثر كلَّما دلَّ الأمر على مرضٍ أصعب.
- صورة رنتجن للصَّدر : تُساعد في تشخيص المرض ونفي أمراض أخرى قد تُعطي أعراضًا مُشابهة مثل ألإلتهاب الرِّئوي. هذا الفحص يساعد على تشخيص النُّفاخ إذ نرى فيه تضخُّم بفراغ الرِّئتين.
- فحص الغازات في الدَّم : ثاني أوكسيد الكربون قد يكون عاليًا في الدَّم, والأوكسوجين منخفضًا.
- إذا شكَّ الطَّبيب أن المشكلة وراثيَّة, مثلاً إذا ظهرت عوارض المرض بجيلٍ مبكِّر يمكنه إرسال المريض لفحصٍ جينيّ لنقص بروتين alpha-1-antitrypsin.
رغم أنَّ المرض مُزمن ولا يمكن شفائه بشكلٍ نهائي إلاَّ أنَّ إمكانيَّات العلاج ما زالت واسعة وتهدف بشكلٍ أساسي لمنع تدهور المرض وللسَّيطرة على العوارض. يعتمد قسمٌ كبيرٌ من العلاج على تعاون المريض ومدى إستعداده لتغيير نمط حياته وملائمته لظروف المرض. أهم هذه الأمور :
- ألإقلاع عن التَّدخين والإبتعاد عن الأشخاص المُدخِّنين والبيئة المُلوَّثة. يُعتبر من أهم الأمور التي على المريض عملها لوقف تدهور المرض. هناك عدَّة طرق لمساعدة المريض على الإقلاع عن التَّدخين إن لم ينجح بنفسه. عليه إستشارة طبيبه لتوجيهه للعيادات المُختصَّة بذلك.
- ألإستمرار بفعاليَّات جسمانيَّة وألّا يتَّبع نمط حياة خامل : رغم أنَّ الجهد الجسماني يُتعب المريض وقد يُؤدّي إلى حدوث الإشتداد في بعض الحالات إلا أنَّ المرضى يُنصحون بإيجاد التَّوازن ومُحاولة ملائمة نشاطًا جسمانيًّا مُعتدلاً لهم بمساعدة الطَّبيب.
- ألتَّغذية السَّليمة : وذلك بهدف الحفاظ على صحَّة جيَّدة وعضلات قويَّة, فعمليَّة التَّنفُّس لدى هؤلاء الأشخاص تتطلَّب مجهودًا خاصًّا تقوم به عضلات الجسم.
- ألوقاية من الأمراض خاصَّةً الزُّكام والإتهاب الرِّئوي : على المريض أن يتجنَّب الجو البارد والأشخاص المرضى, فأمراض جهاز التَّنفُّس تؤدّي إلى إشتداد المرض الرِّئوي المُسد المزمن.
-
تجنُّب كافة الأمور التي تؤدّي إلى إشتداد المرض : بالإضافة للعوامل التي ذُكرت سابقًا فعلى المريض تجنُّب الهواء السَّاخن والرَّطب, التَّلوث البيئي, والأماكن العالية. كما عليه المُسارعة بمعالجة أي نكسة صحيَّة تحدث له
أمَّا العلاجات التي يُمكن إعطائها للمريض فهي :
- ألأوكسوجين : من أهم العلاجات, إذ يتزوَّد غالبيَّة المرضى ببالون أوكسوجين وكمّامة في منازلهم ليستعينوا به للتَّنفُّس. قد يحتاج المرضى الإستعانة بالأوكسوجين بشكل يومي.
- أدوية التي تساعد على تفكيك المُخاط. فتجمُّع المُخاط داخل القُصيبات الهوائيَّة وفشل المريض في إخراجه يُساهم في تدهور حالة المريض وعوارض المرض.
- أدوية مُوسِّعة للقصبات الهوائيَّة (Bronchodilator) : يتم تناول هذه الأدوية عن طريق الإستنشاق, فتعمل بشكلٍ مباشر على عضلات القُصيبات الهوائيَّة لتُرخيها مما يؤدّي إلى توسُّعها ومساعدة المريض على التَّنفُّس.
- ألستيرويد : أيضًا يُؤخذ بواسطة الإستنشاق عادةً. هدفها كبت المناعة, نظرًأ لأنَّ قسم من عوارض المرض تحدث بفضل تفعيل جهاز المناعة. عوارض الدَّواء عندما يُؤخذ بواسطة الإستنشاق قليلة جدًّا مثل البحَّة والإتهاب الفطري للِّسان.
- ماكنات للمساعدة على التَّنفُّس : تُستعمل فقط إن فشل العلاج بواسطة الدَّواء. هذه الماكنات تُساعد المريض على التَّنفُّس وبذل مجهود أقل.
- ألعلاج الفيزيائي : إرشاد المريض للتَّنفُّس السَّليم ومُساعدته على إخراج المُخاط من القُصيبات الرِّئويَّة.
- تناول التَّطعيمات اللازمة لمنع الزُّكام والإلتهاب الرِّئوي وذلك للتَّقليل من الإصابة بهذين المرضين الذين يؤدِّيان إلى إشتداد المرض الرِّئوي المُسد المُزمن.
- عند إشتداد المرض قد يصف الطَّبيب المُضادّات الحيويَّة للمريض وذلك لعلاج الإلتهاب الرِّئوي والذي يُعتبر من أهم المُسبِّبات لإشتداد المرض.
- عمليَّة جراحيَّة : نادرٌ جدًّا أن يحتاج المريض إلى عمليَّة جراحيَّة, وذلك يحدث عندما تفشل كل طرق العلاج الأخرى التي ذُكرت سابقًا في السَّيطرة على عوارض المرض. العلاج الجراحي يتخلَّل إستئصال قسم مريض من الرِّئة أو زرع رئة جديدة.
إجمالاً إذا شعر المريض بأي تغيُّر في العوارض عليه التَّوجه إلى الطبيب, وإذا كان الأمر حادًّا لدرجة يشعر فيها بالخطر على حياته عليه مكالمة الطَّوارئ. أهم هذه الحالات :
- في حالات إشتداد المرض (Exacerbation) للإسراع في تناول العلاج اللازم, فقد يستلزم الأمر الإستشفاء أحيانًا. الإشتداد قد يظهر ك :
- صعوبة بالغة في التَّنفُّس. على المريض مُكالمة الطَّوارئ.
- إشتداد السَّعال وإخراج المُخاط السَّميك.
- ظهور الدَّم في السُّعال.
- إشتداد الأزيز.
- عندما يشعر المريض بأوجاع في الصَّدر. عليه مكالمة الطَّوارئ.
- ألإصابة بالزُّكام أوإلتهاب الرِّئة.
- ظهور حُمّى وإستمرارها لأكثر من يومين.
- إنتفاخ الأرجل.
ألمرض الرِّئوي المُسد هو مرض مزمن ويعمل في طيَّاته مُضاعفات عديدة, أهمُّها :
- الإلتهاب الرِّئوي : يستصعب هؤلاء المرضى إخراج المُخاط, وهي الإفرازات التي تُساعد على إخراج الميكروبات من الجهاز الرِّئوي, لذلك فهم معرَّضون أكثر للإصابة بالإلتهاب الرِّئوي والزُّكام. هذه الإلتهابات بدورها تلحق الأضرار بالجهاز التَّنفُّسي وتؤدّي إلى تدهور المرض المُسد.
- ضغط الدَّم الرِّئوي المُرتفع : تحدث تغيُّرات عديدة في الرِّئتين نتيجة المرض المُزمن, والأوعية الدَّمويَّة في الرِّئتين تتأثّر من هذه التَّغيُّرات. تدمير قسم من الأوعية الدَّمويَّة يؤدّي إلى إرتفاع ضغط الدَّم فيها الأمر الذي يُصعِّب على قلب المريض الأيمن في ضخ الدَّم إلى الرِّئتين حتى إماكنيَّة فشله بشكل نهائي.
- ألأمراض النَّفسيَّة : عادةً يعيق المرض الأشخاص من ممارسة نشاطات يهوونها, وقد يكون في بعض الأحيان كثيفًا ليمنعهم حتى من القيام بنشاطات يوميَّة. هذا الأمر قد يؤدّي إلى حصول إكتئاب حاد لدى هؤلاء المرضى. بالإضافة إلى ذلك فقد يشعرون بالقلق الدَّائم من الموت أو عدم السَّيطرة على المرض. من المهم أن يعرف هؤلاء المرضى أنَّ عليهم مشاركة طبيبهم حتى بالأمور النَّفسيَّة.