الانتباذ البطاني الرحمي
الانتباذ البطاني الرحمي (Endometriosis) حالة مرضية تؤدي لنمو نسيج بطانة الرحم، في أعضاء أخرى خارج الرحم. نسيج بطانة الرحم (Endometrium) هو النسيج الذي يُبطن الرحم من الداخل.
قد يحدث الانتباذ البطاني الرحمي في أي عضو من أعضاء الجسم، أي أن نسيج بطانة الرحم قد ينمو في جميع أعضاء الجسم، الا أن الأعضاء الأكثر عرضةً للاصابة هي المبيض، قنوات فالوب، الأمعاء، الصفاق وفي الحوض حول الرحم.
قد يكون الانتباذ البطاني الرحمي عديم الأعراض، أو أنه يؤدي لأعراض كألم البطن أو العقم.
ليس تشخيص الانتباذ البطاني الرحمي بالأمر السهل، ولكن من المهم أن يتم التشخيص.
لا يُمكن الشفاء من الانتباذ البطاني الرحمي، لكن يُمكن معالجته بعدة امكانيات كالأدوية والمعالجة الجراحية.
يُصيب الانتباذ البطاني الرحمي 3-10% من النساء في سن الخصوبة، ويُعتبر السبب النسائي الأول لدخول المستشفى في سن الخصوبة. رغم ذلك فان نسبة انتشار الانتباذ البطاني الرحمي قد تكون أكثر من ذلك، لأن العديد من الحالات لا يتم تشخيصها، كونها عديمة الأعراض.
الانتباذ البطاني الرحمي غير معروف السبب، وتوجد عدة نظريات لسبب الانتباذ البطني الرحمي، الا أنها لم تُثبت.
بعض العوامل تزيد من خطورة الاصابة بالانتباذ البطاني الرحمي، كالنساء ذوات الحيض المستمر، أو الدورة الشهرية القصيرة.
النظرية الأبرز لسبب الانتباذ البطاني الرحمي، هي الحيض الرجوعي (Retrograde Menstruation): يُعتقد أن افرازات الحيض والدم وبطانة الرحم التي تخرج خلال الحيض، ترجع من الرحم الى قنوات فالوب، ومنها تتناثر الى داخل الحوض والبطن لتنمو في أعضاء أخرى كالمبيض أو قنوات فالوب.
نظريات أخرى تعتقد أن افرازات الحيض تنتقل عبر الأوعية الدموية الى أعضاء أخرى خارج الرحم.
يؤدي نمو بطانة الرحم في أعضاء أخرى الى تضرر هذه الأعضاء، وغالباً ما توجد عدة افات وليست افة واحدة فقط.
تؤدي الافات لتصلب النسيج في العضو الذي تظهر عليه، مما قد يؤدي لضرر للعضو المصاب.
افات الانتباذ البطاني الرحمي قد تكون صغيرة أو كبيرة.
قد تكون حالات الانتباذ البطاني الرحمي عديمة الأعراض، وتختلف شدة الأعراض بين الحالات المختلفة، وقد تكون بعضها شديدة أو طفيفة.
جميع أعضاء الجسم عرضةً للاصابة بالانتباذ البطاني الرحمي، الا أن المبيض، قنوات فالوب، منطقة الحوض حول الرحم، الصفاق، والأمعاء هي الأكثر عرضةً. قد تُصاب المثانة، المسالك البولية الكبد وأعراض أخرى عديدة.
تبرز أعراض الانتباذ البطاني الرحمي في الحوض، وغالباً ما تظهر عند الدورة الشهرية.
أهم أعراض الانتباذ البطاني الرحمي هي:
- الألم: ألم الحوض هو الألم المميز للالانتباذ البطاني الرحمي، ويظهر الألم قبل أو بعد الدورة الشهرية. لكن قد يكون الألم بين الدورات الشهرية، ويزداد خلالها. من الممكن أن يظهر ألم الحوض خلال أو بعد الجماع، أو خلال الاخراج أو التبول. دون علاقة لفترة ظهور الألم، فان الألم يزداد عند الدورة الشهرية.
- العقم: قد يؤدي الانتباذ البطاني الرحمي للعقم، ويُصعب على الحمل. يحدث الأمر لأن الافات التي تنمو على المبيض أو قنوات فالوب، قد تؤدي لتصلب النسيج في هذه الأعضاء، مما يُسبب العقم. رغم هذا الاعتقاد السائد، الا أن بعض النساء دون التصلب قد يعانون من العقم أيضاً. الانتباذ البطاني الرحمي لا يضر بالحمل اذا ما حملت المرأة.
- عسر الحيض (Dysmenorrhea): عسر الحيض هو ألم تشعر به المرأة خلال فترة الحيض.
- عسر الجماع (Dyspareunia): ألم خلال الجماع تشعر به المرأة في المهبل.
قد يؤدي نمو الافات على أعضاء الجسم، في حال الانتباذ البطاني الرحمي، الى مضاعفات تنتج من الافات.
أهم المضاعفات ما يلي:
- انسداد الأمعاء (Intestinal Obstruction): نتيجةً لنمو الافات في الأمعاء الغليظة أو الدقيقة، فانها قد تؤدي لانسداد الأمعاء.
- انسداد المسالك البولية (Urinary Tract Obstruction): نمو الافات في المسالك البولية أو المثانة قد تؤدي لانسداد المسالك البولية، مما قد يؤدي لقلة البول أو فشل الكلى.
- كيسة مبيضية (Ovarian Cyst): قد تؤدي الافات في حال الانتباذ البطاني الرحمي الى نمو كيسة في المبيض، وهو كيس مليء بالسوائل. قد تتمزق هذه الكيسة، واذا ما حوت أوعية دموية، فانها تؤدي للنزيف داخل الحوض.
- التواء المبيض (Ovarian Torsion): اذا ما كانت الافات كبيرة، فانها قد تؤدي لالتواء المبيض. التواء المبيض هي حالة خطرة وتحتاج للعلاج الفوري، لأنها قد تؤدي لفقدان المبيض اذا لم تُعالج في الموعد المناسب.
يعتمد تشخيص الانتباذ البطاني الرحمي على التاريخ المرضي، حيث قد يشك الطبيب النسائي بالانتباذ البطاني الرحمي اذا ما شكت المرأة من الأعراض أو المضاعفات أعلاه.
بعض النساء قد لا تشعر بأية أعراض أبداً، لذا يصعب تشخيص حالتها.
اذا ما شكت المرأة من الأعراض المذكورة أعلاه، عليها التوجه للطبيب النسائي. نظراً لصعوبة تشخيص الانتباذ البطاني الرحمي من التاريخ المرضي، فان بعض الأطباء قد ينصحون بالعلاج التجريبي، حيث يتم العلاج بالأدوية وفي حال نجاح العلاج، يُمكن تشخيص الانتباذ البطاني الرحمي.
الامكانية الأخيرة لتشخيص الانتباذ البطاني الرحمي هي بواسطة اجراء عملية جراحية، لرؤية افات الانتباذ البطاني الرحمي، ومعالجتها في الوقت ذاته.
توجد عدة امكانيات لعلاج النساء المصابات بالانتباذ البطاني الرحمي، وهي كالتالي:
-
مضادات الالتهاب اللاستيرويدية
مضادات الالتهاب اللاستيرويدية (NSAIDS- Non Steroidal Anti Inflammatory Drugs)، هي أدوية تعمل كمسكنات للألم، وتُخفف الألم الناتج من الانتباذ البطاني الرحمي.
لا تمنع مضادات الالتهاب اللاستيرويدية نمو نسيج بطانة الرحم في أعضاء أخرى، انما تُسكن الألم فقط.
توجد عدة أدوية من مجموعة مضادات الالتهاب اللاستيرويدية. تختلف جرعة وفترة تناول الأدوية المختلفة. أبرز الأدوية المستخدمة هي:
- الايبوبروفين (Ibuprofen).
- النابروكسين (Naproxen).
من المفضل تناول الأدوية قبل الدورة الشهرية.
غالباً ما يتم تناول جرعتين في اليوم، أو ربما يصف الطبيب أكثر من ذلك. من المهم تناول الأدوية بعد الطعام وذلك لحماية المعدة من مضاعفات قرحة المعدة.
رغم توفر مضادات الالتهاب اللاستيرويدية، الا أنها لا تُساعد دائماً في التغلب على ألم الانتباذ البطاني الرحمي، وقد تحتج المرأة لعلاج اخر.
أهم الأعراض الجانبية لمضادات الالتهاب اللاستيرويدية:
- ضرر للكلى وقد تسبب فشل الكلى.
- داء القرحة الهضمية.
- ضغط الدم المرتفع.
- ضرر للكبد وقد تسبب التهاب الكبد.
رغم خطورة هذه الأعراض الجانبية، الا أنها قليلة الحدوث لدى النساء صغيرات السن، وخاصةً اذا لم تتناول المرأة الأدوية لمدة مستمرة.
-
وسائل منع الحمل الهرمونية
وسائل منع الحمل الهرمونية عديدة وتشمل حبوب منع الحمل، اللصقات الجلدية، الحلقة المهبلية، حقنة منع الحمل، وحتى اللولب الرحمي المطلق لليفونورجيستريل (Levonorgesterel-Releasing IUD) هي وسائل ناجعة لعلاج الانتباذ البطاني الرحمي.
تساعد وسائل منع الحمل الهرمونية على تقليل نزيف الحيض، وتيرة الدورة الشهرية وألم الانتباذ البطاني الرحمي.
رغم ذلك فان وسائل منع الحمل الهرمونية تؤثر بعد مرور عدة أشهر من استخدامها. لذا غالباً ما يتم تناول مضادات الالتهاب اللاستيرويدية خلال الأشهر الأولى من العلاج بوسائل منع الحمل الهرمونية.
تُستخدم وسائل منع الحمل الهرمونية للنساء دون أعراض شديدة.
الأعراض الجانبية المُنتشرة التي قد تؤدي لها حبوب منع الحمل، كالغثيان، ألم الثدي، انتفاخ البطن، تقلب المزاج، النزيف المهبلي في غير موعد الحيض، الشقيقة (Migraine)، زيادة الوزن وأخرى.
مُعظم هذه الأعراض الجانبية طفيفة وتزول خلال الأشهر الأولى من استخدام حبوب منع الحمل. مضاعفات حبوب منع الحمل الخطرة كالانصمام الخثاري وضغط الدم المرتفع، نادرة الحدوث لدى النساء تحت سن ال35 والغير مدخنات.
-
وسائل علاج هرمونية أخرى
- الحبوب المقتصرة على البروجستيرون: بعض الحبوب تحوي البروجسترون فقط، وتُسمى أيضاً بحبوب منع الحمل البسيطة (Mini Pill). تُستخدم هذه الحبوب في حال وجود موانع استعمال الحبوب التقليدية التي تحوي الاستروجين، كحال النساء الحوامل أو المصابات بالشقيقة أو ضغط الدم المرتفع أو المدخنات. تتوفر حقن أيضاً تحوي البروجستيرون. كحبوب منع الحمل التقليدية، فان البروجستيرون يُقلل من وتيرة وشدة الدورات الشهرية والنزيف، ويعمل كمسكن للألم لعلاج الانتباذ البطاني الرحمي. أهم الأعراض الجانبية هي الانتفاخ، زيادة الوزن، عدم انتظام الحيض.
- الهرمون المطلق لموجهة الغدد التناسلية (GnRH- Gonadotropin Releasing Hormone): هرمون طبيعي في الجسم ويُمكن تناول مواد اصطناعية مشابهة له، وتؤدي الى وقف افراز هرمون الاستروجين من المبيض مما يؤدي لتقلص نسيج بطانة الرحم (المُعتمد على الاستروجين في نموه) في الأعضاء خارج الرحم. يُعتبر العلاج ناجع جداً، ويؤدي لتسكين الألم وحتى الحالات الشديدة. تتوفر عدة أدوية ويُمكن تناولها كرذاذات أنفية أو حقن. غالباً لا يُستخدم هذا العلاج لمدة أكثر من سنة، وذلك لأنه يؤدي للعديد من الأعراض الجانبية وأبرزها هشاشة العظام (Osteoporosis). يُستخدم الهرمون المطلق لموجهة الغدد التناسلية في الحالات المستعصية لامكانيات العلاج السابقة.
-
المعالجة الجراحية
المعالجة الجراحية هي اخر امكانيات علاج الانتباذ البطاني الرحمي، ويتم اجرائها في الحالات التالية فقط:
- الألم الشديد المستعصي لامكانيات العلاج الأخرى.
- فشل العلاج بالأدوية.
- العقم لدى النساء: ويُمكن اجراء المعالجة الجراحية لعلاج الانتباذ البطاني الرحمي في حال استبعاد أسباب أخرى للعقم.
تهدف المعالجة الجراحية لازالة نسيج بطانة الحرم الذي ينمو خارج الرحم، ويُسبب تصلب نسيج العضو المصاب.
اجراء المعالجة الجراحية يتغلب على الألم والأعراض في معظم الحالات، الا ان الأعراض قد تظهر بعد عدة أشهر من المعالجة الجراحية. لذا فان الأطباء حذرون في اجراء المعالجة الجراحية.
غالباً ما تُجرى المعالجة الجراحية بتنظير البطن (Laparoscopy)، حيث يتم شق البطن بثلاثة شقوق صغيرة لا تتعدى 1 سم. يتم ادخال كاميرا والمعدات الجراحية من هذه الشقوق، ويستطيع الطبيب الجراح رؤية داخل البطن والحوض، تشخيص نسيج بطانة الرحم، وحتى استخراج عينة منه لفحصه في المختبر تحت الميكروسكوب. خلال العملية الجراحية يقوم الطبيب الجراح باستئصال نسيج بطانة الرحم المنتشرة على الأعضاء داخل البطن. تُجرى المعالجة الجراحية أيضاً لعلاج الكيسة المبيضية.
قد ينصح الطبيب الجراح باستئصال الرحم (Hysterectomy) في حال عانت المرأة من أعراض شديدة أو مضاعفات، ولا ترغب في الحمل أبداً. ان استئصال الرحم، والمبيض وقنوات فالوب أحياناً، هو العلاج الأفضل في الحالات المستعصية جداً، وذلك لأن بطانة الرحم يتم استئصالها مما يُقلل من أعراض ومضاعفات الانتباذ البطاني الرحمي.
علاج العقم
قد تحتاج المرأة لعلاج العقم الموجود في حال الانتباذ البطاني الرحمي. لأجل ذلك يجب استشارة الطبيب النسائي. امكانيات العلاج عديدة وقد تحتاج المرأة لأدوية، الاخصاب في المختبر أو المعالجة الجراحية.