ظاهرة رينو (Raynaud's phenomenon)
ظاهرة رينود (تُلفظ رينو)، هي حالة نوبات زراق أو شحوب الأصابع عند التعرض للبرد أو الضغط النفسي. ويحصل ذلك نتيجة تقلص الأوعية الدموية المحيطية مما يقلل انسياب الدم للأصابع ويؤدي للظاهرة.
تتقلص الأوعية الدموية في الأطراف بشكل طبيعي عند التعرض للبرد، وذلك لأجل خفض جريان الدم في الأطراف والحفاظ على جريان الدم للأعضاء المهمة، كالقلب والدماغ. بذلك يُحافظ الجسم على حرارته في الأعضاء الداخلية. ان الجهاز العصبي في الجسم هو الذي يتحكم بتقلص أو توسع الأوعية الدموية، وذلك من خلال اشارات عصبية وهرمونات تعمل على مستقبلات خاصة توجد في جدار الوعاء الدموي. يعمل الجهاز العصبي الودي (Sympathetic) على تقلص الأوعية الدموية المحيطية، في حين أن الجهاز العصبي اللا ودي (Parasympathetic) يعمل على توسع الأوعية الدموية المحيطية.
للأشخاص اللذين يشكون من ظاهرة رينو يوجد خلل تشنجي في تقلص الأوعية الدموية، مما يؤدي للتقلص الزائد في حال التعرض للبرد أو في حال الضغط النفسي وعندها تظهر الأعراض. كما أن خلل في الاشارات العصبية أو في مستقبلاتها قد تؤدي لظاهرة رينو.
أثبتت الدراسات أن ظاهرة رينو أكثر شيوعاً لدى النساء من الرجال، وبالذات النساء اللواتي يقل عمرهن عن 30 سنة. تُقدر نسبة انتشار ظاهرة رينو ب 3-5% من الأشخاص. عادةً ما تظهر الأعراض في أصابع اليد، الا أن الظاهرة قد تظهر في الأرجل والأنف
تُصنف ظاهرة رينو الى نوعين:
- ظاهرة رينو الأولية (primary Raynaud's phenomenon): وهي ظاهرة رينو دون وجود أي مرض اخر. تُعتبر ظاهرة رينو الأولية الأكثر شيوعاً بالذات لدى النساء أقل من جيل 30 سنة، ولا تشكل خطورة على المريض. لا تُعرف أسباب ظاهرة رينو الأولية، ربما هناك عوامل وراثية مسؤولة عن ظاهرة رينو الأولية، الا أن جينات مُعينة لم تُكتشف بعد.
- ظاهرة رينو الثانوية (secondary Raynaud's phenomenon): أي ظاهرة رينو التي تحدث ثانوياً لمجموعة من الأمراض أو المواد التي تضر النسيج الضام والأوعية الدموية المحيطية. تُعتبر ظاهرة الرينو الثانوية غير شائعة، ونجدها لدى كبار السن، النساء والرجال. كما أن ظاهرة رينو الثانوية أكثر خطراً لأنها تدل على وجود مرض اخر، كما أن الأعراض أشد ووتيرة حدوث النوبات أعلى من ظاهرة رينو الأولية. أهم الحالات التي تحدث فيها ظاهرة رينو الثانوية هي:
تصلب الجلد (Scleroderma): وهو المرض الأبرز الذي قد يسبب ظاهرة رينو الثانوية، ويؤدي لتصلب الجلد كما أنه يؤثر على الأوعية الدموية المحيطية والرئوية. نسبة انتشار ظاهرة رينو 98% لدى مرضى تصلب الجلد.
الذئبة الحمامية المجموعية (SLE- systemic lupus erythematosus).
التهاب المفاصل الروماتويدي (RA- rheumatoid arthritis).
أمراض عديدة أخرى في النسيج الضام، أو أمراض المناعة الذاتية: متلازمة شيوغرن (sjorgen syndrome)، داء النسيج الضام المختلط (mixed connective tissue disease)، وغيرها.
التصلب العصيدي (atherosclerosis): والذي يضر الأوعية الدموية في الجسم ويؤدي لتصلبها.
الأدوية: العديد من الأدوية قد تعمل على الأوعية الدموية وتسبب تقلصها الزائد مما يؤدي لظاهرة رينو الثانوية. أبرز الأدوية هي:
1 محصرات مستقبلات البيتا (beta blockers).
2 العلاج الكيميائي للأورام خاصة البليوميسين (Bleomycin).
3 الأدوية المقلصة للأوعية الدموية: الفينيلافرين (Phenylephrine)، البسودوافيدرين (Pseudoephidrine).
4 ارغوتامين (ergotamine): يُستخدم لعلاج الصداع النصفي.
بعض المهن قد تؤدي لظاهرة رينو مثل:
1 العمل بعمل يؤدي للاهتزاز الدائم في أصابع اليد، كالحفر.
2 التعرض الدائم للبرد، كالعمل في تعبئة الطعام المجمد.
متلازمة النفق الرسغي (carpal tunnel syndrome).
أمراض الغدد الصم: وأبرزها قصور الغدة الدرقية (Hypothyroidism).
التدخين: ويسبب النيكوتين ومواد أخرى في الدخان الضرر للأوعية الدموية في الجسم، وتشمل المحيطية ويؤدي لتصلبها وتقلصها.
خلل في الاشارات العصبية المسؤولة عن تقلص أو توسع الأوعية الدموية، أو في مستقبلات الاشارات العصبية. أبرز هذه الاشارات هو النورابينفرين (Norepinephrine) والذي يؤدي لتقلص الأوعية الدموية المحيطية.
أعراض ظاهرة رينو
تظهر أعراض ظاهرة رينو عند التعرض لعوامل مثيرة كالبرد، الضغط النفسي أو الارتجاج والاهتزاز. وتظهر الأعراض غالباً في أصابع اليد. الأعراض الكلاسيكية لظاهرة رينو تظهر على ثلاثة مراحل:
- في البداية يتغير اللون للأبيض (أي شحوب)، وذلك نتيجة التقلص في الأوعية الدموية. ويظهر احساس بالبرودة.
- الزراق، أي ظهور اللون الأزرق في الأصابع. وذلك نتيجة استمرار التقلص في الأوعية الدموية مما يؤدي لجريان دم يفتقد للأوكسيجن فيسبب الزراق. يمكن أن يكون اللون أزرقاً ويميل للبنفسجي.
- زوال الزراق وظهور اللون الوردي الطبيعي، وذلك بعد ازالة العوامل المثيرة مما يؤدي لتوسع الأوعية الدموية واعادة جريان الدم الطبيعي.
تستمر النوبة لمدة لا تزيد عن 15-20 دقيقة، أو حتى توقف العوامل المثيرة أو التدفئة. في ظاهرة رينو الثانوية، فان الأعراض أشد وتستمر لمدة أطول، كما أن أعراض أخرى قد يشكو منها المريض:
- الألم في الأصابع.
- الاحساس باخدرار، التنميل، الوخزات في الأصابع.
- ظهور قرح جلدية.
- النخر (necrosis): نادراً ما يحدث النخر، وهو موت الأنسجة وفقدانها حيث يصبح لونها أسوداً ويستدعي إزالة هذا النسيج الميت جراحيا.
تظهر هذه الأعراض في الحالات المستمرة لنوبة ظاهرة رينو.
غالباً ما تظهر الأعراض في أصابع اليد، الا أن أصابع الأرجل، الأنف، الأذنين، والحلمات قد تتأثر من ظاهرة رينو أيضاً. في أصابع اليد فان السبابة، الوسطى والبنصر هي الأصابع الأكثر عرضة لأعراض ظاهرة رينو، ونادراً ما قد نجد الأعراض في الابهام.
يعتمد تشخيص ظاهرة رينو على التاريخ المرضي، حيث أن الطبيب يستطيع التحديد اذا ما كان التاريخ المرضي يلائم لظاهرة رينو أم لا، كما أنه من الممكن التحديد اذا ما كانت الظاهرة أولية أم ثانوية. على الطبيب الانتباه الى الأمور التالية:
- جيل المريض وجنسه.
- التاريخ المرضي لأمراض سابقة، وبالذات الأمراض التي تؤدي لظاهرة رينو الثانوية.
- الأدوية التي يتناولها المريض.
- عمل المريض واذا كان يحوي الاهتزاز أو الارتجاج.
الفحص السريري لا يكشف عن الكثير من العلامات، الا اذا شاهد الطبيب ظاهرة رينو أثناء الفحص السريري. يمكن اكتشاف علامات أمراض أخرى قد تؤدي لظاهرة رينو الثانوية خلال الفحص السريري.
الاختبارات تُساعد على التأكد من تشخيص ظاهرة رينو، كما أنها تُجرى لاستبعاد مرض ثانوي. أهم الاختبارات التي يمكن أن يستعملها الطبيب:
- فحص الدوبلر بالموجات فوق الصوتية: وهو فحص يساعد على تقييم جريان الدم في الأوعية الدموية، ويمكن رؤية الضرر للأوعية الدموية في حال وجوده.
- الفحص المجهري لشعيرات الدم في قاعدة الأظافر (nailfold capillary microscopy): وهو فحص مُعد لتشخيص ظاهرة رينو الأولية من الظاهرة الثانوية. حيث يقوم الطبيب بفحص الأوعية الدموية الشعرية في قاعدة الأظافر تحت المجهر، لملاحظة وجود خلل في مبنى شعيرات الدم. في حال وجود ظاهرة رينو الثانوية، يمكن ملاحظة الخلل في مبنى شعيرات الدم، وذلك بسبب الضرر الناتج من أمراض النسيج الضام. في ظاهرة رينو الأولية، فان مبنى الشعيرات الدموية في قاعدة الأظافر طبيعي.
- اختبار وظائف الغدة الدرقية لاكتشاف قصور الغدة الدرقية.
- اختبارات لوجود الأجسام المضادة الذاتية لاكتشاف أمراض النسيج الضام وأمراض المناعة الذاتية.
على الطبيب تجميع الحقائق من التاريخ المرضي والفحص السريري والاختبارات لتشخيص ظاهرة رينو ونوعها.
من الجدير بالذكر أن ظاهرة رينو لا تشكل خطراً على حياة المريض، وفي الكثير من الأحيان فان الأعراض ليست شديدة. الا أن ظاهرة رينو قد تضيق على المريض وتزعجه، لذا فان هدف العلاج هو الوقاية من ظاهرة رينو.
يعتمد علاج ظاهرة رينو على الأسس التالية:
- الرعاية الوقائية وتجنب الحالات المثيرة للأعراض.
- علاج المرض الأولي المسبب لظاهرة رينو.
- العلاج بالأدوية الموسعة للأوعية الدموية.
- الجراحة.
الرعاية الوقائية
أساس العلاج في ظاهرة رينو هو الوقاية وتجنب الحالات التي قد تثير الظاهرة. لذا يجب الحفاظ على الأمور التالية:
- الامتناع عن التعرض للبرد.
- في حال التعرض للبرد، يجب تدفئة الأطراف وذلك بواسطة الملابس الدافئة والحفاظ على بيئة دافئة. قد يُساعد ارتداء القفازات والأحذية المعزولة.
- تجنب الاهتزاز أو الارتجاج، كما تجنب الضغط النفسي والعلاج النفسي اذا ما كانت هناك حاجة.
- الاقلاع عن التدخين.
- الاقلاع عن شرب الكفائين، الموجود في القهوة والشاي وبعض المشروبات الغازية، لأنه قد يسبب تقلص الأوعية الدموية.
- الامتناع عن تناول الأدوية التي قد تسبب ظاهرة رينو الثانوية. استعن بالطبيب قبل تناول أي دواء.
علاج المرض الأولي
كما ذكر، فان ظاهرة رينو قد تكون ثانويةً لمرض أولي. أخبر الطبيب بالأمراض التي تُعاني منها، اذا ما وجدت. على الطبيب علاج المرض الأولي بالاضافة لعلاج ظاهرة رينو.
العلاج بالأدوية
في الحالات المستعصية، وعند تكرر نوبات ظاهرة رينو، فان العلاج يتم بالأدوية. تعمل جميع الأدوية على توسيع الأوعية الدموية وبذلك تقلل من نوبات ظاهرة رينو وتعالج النوبة المستمرة. عادةً فان الأدوية تستعمل لعلاج ظاهرة رينو الثانوية، أكثر من الأولية. يمكن الاستمرار بتناول الأدوية خلال الأشهر الباردة من السنة لتجنب ظاهرة رينو. أبرز الأدوية المستعملة:
· محصرات قنوات الكالسيوم (calcium channel blockers): محصرات قنوات الكالسيوم هي الأدوية الأولى التي يمكن استعمالها، وغالباً يتناولها المريض خلال أشهر الشتاء بشكل يومي. تعمل هذه المجموعة على حصر قنوات الكالسيوم. هذا يؤدي الى منع وجود الكالسيوم في العضلات الموجودة في جدار الأوعية الدموية المحيطية. ان نقص الكالسيوم في تلك العضلات يؤدي الى عدم تقلص هذه العضلات وبالتالي تحافظ على توسعها وتوسع الأوعية الدموية. محصرات قنوات الكالسيوم هي الأدوية الأولى التي يمكن استعمالها. من هذه المجموعه:
النيفيديبين (nefedipine). ويمكن دهنه أيضاً على الجلد عدا تناوله.
الديلتيازيم (diltiazem).
الأعراض الجانبية:
ألم الرأس.
الدوخة.
البيغ(flushing) أي احمرار الوجه.
تضخم اللثة.
وذمة في الارجل أي انتفاخ الارجل من قسمها السفلي.
· محصرات مستقبلات الانغيوتنسين II (Angiotensin II receptor blockers). وهذه المجموعة تمنع ارتباط الانغيوتنسين II بمستقبله. الانغيوتنسين II يسبب تضييق الأوعية الدموية المحيطية ولذا فان منع انتاجه يؤدي الى توسع الأوعية الدموية المحيطية. أهم هذه الأدوية هي لوسارتان (losartan).
الأعراض الجانبية:
الدوخة.
الطفح الجلدي.
في قلة من الحالات يحصل ضرر كلوي.
الوذمة الوعائية (angioedema)، رغم أنها نادرة الحصول الا أنها تشكل وضعاً مهدداً للحياة ويجب علاجه بسرعة.
· محصرات مستقبلات الألفا (alpha blockers): تعمل هذه المجموعة على حصر مستقبلات الالفا، مما يؤدي لارتخاء العضلات الموجودة في جدار الأوعية الدموية المحيطية وبدوره يؤدي الأمر الى توسيع الأوعية الدموية المتقلصة. من هذه المجموعة البرازوسين (prazosin). الأعراض الجانبية:
الدوخه: وبالذات عند العبور من الجلوس للوقوف وذلك لأن ضغط الدم ينخفض عند الوقوف بشكل طبيعي, وهذه الأدويه تخفض أيضاً ضغط الدم، والنتيجة هي ضغط الدم المنخفض عند الوقوف مما يسبب الدوخه.
ألم الرأس.
خطر فشل القلب.
· مضاهي البروستاتسايكلين (prostacyclines analogue): البروستاتسايكلين هي مجموعة من المواد الطبيعية في الجسم، ولها وظائف عديدة أهمها توسيع الأوعية الدموية المحيطية. تعمل الأدوية المضاهية للبروستاتسايكلين لتتصل بمستقبلات البروستاتسايكلين وتؤدي لتوسيع الأوعية الدموية المحيطية. تُعتبر هذه الأدوية الأكثر قدرةً على علاج نوبة ظاهرة رينو الحادة، وأبرزها ايلوبروست (illoprost).
· الأدوية الموسعة للأوعية الدموية (vasodilators): مثل النيتروغليتسرين (nitroglycerine) والذي يؤدي مباشرةً الى توسع الأوعية الدموية المحيطية. يمكن استخدام النيتروغليتسرين كدهون على الأصابع المصابة بظاهرة رينو.
· أدوية أخرى تعمل على توسيع الأوعية الدموية في الجسم مثل الفياغرا.
علاج النوبة الحادة المستمرة لظاهرة رينو
اذا ما انتابت أحدهم نوبة حادة لظاهرة رينو، عليك البدء بمحاولة وقف النوبة. من المفضل البدء بتدفئة الأصابع بواسطة نفخ الهواء الدافئ، غسلهم بالماء الدافئ الفاتر، ارتداء الملابس الدافئة والخروج من المنطقة الباردة بأسرع وقت ممكن. اذا ما ظهرت الأعراض نتيجة ضغط نفسي، قم بمحاولات لتخفيف الضغط وذلك بواسطة تمارين التنفس العميق أو الاسترخاء والتأمل.
عند النوبات الحادة لظاهرة رينو، والتي لم تستجب للعلاج التقليدي كالتدفئة، فان العلاج بالأدوية هو الحل. اذا استمرت النوبة الحادة لظاهرة رينو، عليك التوجه للطبيب. غالباً ما يبدأ الطبيب العلاج بمحصرات قنوات الكالسيوم، واذا لم يستجب المريض لهذا العلاج يمكن العلاج بالأدوية التالية:
· الأدوية الموسعة للأوعية الدموية (vasodilators): مثل النيتروغليتسرين (nitroglycerine).
· محصرات مستقبلات الألفا.
· محصرات مستقبلات الانغيوتنسين II.
· مضاهي البروستاتسايكلين: ايلوبروست (illoprost).
· الأدوية المضادة لتخثر الدم: الأسبيرين (aspirin) أو الهيبارين (heparin). خلال ظاهرة رينو المستمرة، فان الدم يتوقف عن الجريان في الأوعية الدموية في الأصابع. يزيد الأمر من احتمال تخثر الدم والجلطة الدموية، لذا من المهم جداً العلاج بالأدوية المضادة لتخثر الدم.
المعالجة الجراحية
في الحالات القصوى والتي لا تستجيب للعلاج بالأدوية، فان الجراحة هي طريقة العلاج المختارة.
· قطع الودي (sympathectomy): الجهاز العصبي الودي هو الجهاز المسؤول عن تقلص الأوعية الدموية. اذا تم قطع الأعصاب التي تؤدي لتقلص الأوعية الدموية المحيطية، فان الأوعية لن تتقلص وبالتالي لن تحدث ظاهرة رينو. تُجرى هذه العملية في الحالات المستعصية جداً وفي حال وجود خطورة على الأصابع.
بتر الأصابع: نادراً ما يصل الأمر لمرضى ظاهرة رينو، لبتر الأصابع. حيث أن هذا الخيار ليس بالأمر السهل وفيه تأثير كبير على المريض، نفسيته ومستوى معيشته. لذا يجب الامتناع عن بتر الأصابع الا في الحالات التي وُجد فيها النخر في الأصابع.