تصلب الجلد

مرض تصلب الجلد هو داء مزمن ومجموعي بجهاز المناعة الذاتي ولا تُعرف أسبابه. يتميز المرض بتصلب الجلد حيث يصبح الجلد سميكاً وصلباً ومن هنا تسمية المرض. الا أن مرض تصلب الجلد قد يسبب تصلب وتليف الأعضاء الداخلية والأوعية الدموية. يُقال عن هذا المرض أنه المرض الذي يحول الناس إلى حجارة، بسبب التصلب.

تختلف نتيجة الاحصائيات بين الدول والمجتمعات المختلفة، ويُقدر وجود 300 مريض بتصلب الجلد من بين كل مليون شخص. تصلب الجلد أكثر شيوعاً لدى النساء من الرجال، ويظهر في جيل الثلاثين حتى الخمسين.

رغم أن أسباب المرض واليته غير واضحة تماماً، الا أن المرض يتميز بثلاثة مراحل. الأولى هي الضرر للأوعية الدموية الدقيقة والتي تسمى الشُرينات (arterioles) وتوجد في جميع أعضاء الجسم. المرحلة الثانية هي رد فعل جهاز المناعة على الضرر للشُرينات، ويؤدي الأمر لهجوم جهاز المناعة على الأعضاء مما يؤدي لالتهاب في الأعضاء المتضررة. المرحلة الثالثة والأخيرة، هي محاولة الجسم علاج الالتهاب بنفسه، لكن الأمر يؤدي لتليُف الأعضاء المتضررة وتصلبها. تستمر هذه المراحل في الحدوث حتى يفقد العضو لمبناه الطبيعي ولوظيفته. قد يؤثر تصلب الجلد على جميع أعضاء الجسم وليس على الجلد فقط.

لا تُعرف أسباب مرض تصلب الجلد ولم تُثبت وجود علاقة رابطة بين عوامل معينة وتصلب الجلد، لكن تشير الدراسات الى أن عدة عوامل قد ترتبط بتصلب الجلد:

• العوامل وراثية: للعوامل الوراثية دور مهم في تصلب الجلد، لكن لم يتم حتى الان اكتشاف جينات معينة مسؤولة عن المرض.
• العدوى الفيروسية: على ما يبدو، فان المرض قد ينبع من عدوى فيروسية، لا يُعرف حالياً ما هي. لكن المرض لا يُصنف كمرض معدي ولا ينتقل بين الأشخاص.
• الكيماويات: بعض الدراسات أشارت لتأثير مواد كيماوية مثل أكسيد السيليكون- سيليكا- (silica).

يُصنف تصلب الجلد الى عدة أنواع، الا أنه يوجد نوعين أساسيين وهما الأكثر أهميةً.

·  تصلب الجلد المجموعي المنتشر (diffuse cutaneous systemic sclerosis): هو تصلب الجلد الذي يبدأ من أطراف أصابع اليد، ويتقدم بسرعة ليشمل الجلد على اليد، الوجه، البطن والظهر. يتقدم المرض بسرعة خلال أشهر أو سنوات قليلة، كما أن أحد الأعضاء الداخلية يتضرر وغالباً ما تكون الكلى أو الرئتين. يُعتبر تصلب الجلد المجموعي المنتشر خطراً.

·  تصلب الجلد المجموعي المحدود (limited cutaneous systemic sclerosis): تصلب الجلد المحدود يقل خطورةً عن تصلب الجلد المجموعي المنتشر، حيث أن تصلب الجلد يحدث في أصابع اليد، طرف اليد والوجه فقط. كما أن ظاهرة رينو تظهر قبل حدوث المرض. من الممكن أن تتضرر أعضاء داخلية، الا أن ذلك أقل انتشاراً وأقل شدة من تصلب الجلد المجموعي المنتشر. لبعض المرضى هناك متلازمة تسمى بمتلازمة كريست (CREST syndrome) وذلك اختصاراً للأعراض التالية:

  داء التكلس (C- calcinosis).

  ظاهرة رينو (R- raynoud’s phenomenon).

  اضطراب وظيفة المريء (E- esophageal dysfunction).

  تصلب الأصابع (S- sclerodactyly).

  توسع الشعيرات الدموية ( T- telangiectasias)

قد يظهر تصلب الجلد الموضعي حيث يؤثر موضعياً على قطعة من الجلد ويسبب تصلبها، ويكون الجلد صلباً، مالساً، جافاً وثابتاً غير مرناً.

يمكن أن يضر مرض تصلب الجلد بأي عضو من أعضاء الجسم. تختلف الأعراض بين حالة وأخرى، كما أن الأعراض تختلف بين المرض المنتشر والمرض المحدود. قد يؤدي المرض لمضاعفات عديدة نتيجة الضرر للأعضاء الداخلية.

تصلب الجلد المجموعي المنتشر: يتقدم بسرعة، وغالباً ما تظهر ظاهرة رينو بعدة أسابيع قبل ظهور أعراض التصلب المجموعي المنتشر. عند ظهور الأعراض، يبدأ تصلب الجلد من أطراف الأصابع ويمتد للأيدي، الوجه، الظهر والبطن. يبدأ التصلب كالتهاب في الجلد يسبب الانتفاخ والاحمرار والحك، ويتبعه بعد أسابيع بداية التصلب، التملس، الجفاف في الجلد وانعدام نمو الشعر. بعد مرور السنين الأربع الأولى من المرض، يحدث ضمور الجلد (Skin atrophy) ويصبح رقيقاً وهشاً.

تصلب الجلد المجموعي المحدود: في هذه الحالة فان الأعراض تظهر بعد سنوات من بداية ظاهرة رينو. ورغم كون الأعراض أقل شدةً وأخف من الحالة المنتشرة لتصلب الجلد، الا أن ظاهرة رينو تكون أشد وأخطر وقد تسبب نخر الأصابع. تُشبه التغييرات في الجلد، تلك التي تظهر في التصلب المنتشر، وتنحصر في أطراف اليدين والوجه. بالإضافة إلى ذلك، قد يُصاب قرابة 15% من المرضى بارتفاع ضغط الدم الرئوي وهو أخطر المضاعفات.

المضاعفات:

·  الجلد: بالاضافة الى الأعراض والتغييرات التي تميز الجلد في حال تصلب الجلد، فان للمريض تعابير وجه مميزة. ويتميز الوجه بكونه كالقناع، مشدوداً دون تجاعيد أو تعابير. في حال تصلب الجلد المجموعي المحدود يمكن ملاحظة توسع الشعيرات الدموية في الوجه أو اليدين وتظهر كعلامات حمراء، و داء التكلس وهو عبارة عن تكلس صلب في اليدين قد يسبب الكثير من الألم.

·  الرئتين: يعاني المرضى بتصلب الجلد من أمراض الرئتين وتشمل التالي:

  ضغط الدم الرئوي المرتفع: وهو أهم المضاعفات والسبب الرئيسي للموت لمرضى تصلب الجلد، ويحدث عادةً في حال تصلب الجلد المجموعي المحدود بحوالي 15-20%.

  النزيف الرئوي.

  التهاب الرئة.

  تليف الرئتين: ويبرز في الحالة المنتشرة ويكون مزمناً وشديداً وقد يسبب الوفاة.

  يرتفع احتمال الاصابة بسرطان الرئة لمرضى تصلب الجلد.

  تؤدي المضاعفات في الرئة للسعال، ضيق النفس، وعدم القدرة على القيام بالمجهود.

·  الجهاز الهضمي: يتأثر الجهاز الهضمي بحوالي 90% من مرضى تصلب الجلد. نجد الأمور التالية:

  اضطراب المريء  الذي يؤدي لعسر بلع الطعام.

  الجزر المعدي المريئي: من الأعراض الشائعة، وهو ارتجاع الحمض المعدي للمريء مما يسبب الألم.

  الألم والانتفاخ في المعدة بسبب تصلب المعدة.

  عدم هضم الطعام مما يؤدي للاسهال وفقدان الوزن.

  النزيف من الجهاز الهضمي مما يؤدي لفقر الدم.

·  الكلى: يسبب تصلب الجلد اذا ما تضرر الكلى، ضغط الدم المرتفع وفشل الكلى. كما أن تصلب الجلد قد يؤدي لنوبة كلوية (renal crisis) لدى 15% من مرضى التصلب الجلدي المجموعي المنتشر، وهي حالة يرتفع فيها ضغط الدم بشكل مفاجئ ويسبب نوبة فرط ضغط الدم المرتفع. في الماضي، فان النوبة الكلوية كانت السبب الأبرز للوفاة، الا أن علاجها ب ACE inhibitors خفض الوفاة من هذه الحالة.

·  القلب: قد يؤدي تصلب الجلد الى ضرر القلب مما يزيد من احتمال ضغط الدم المرتفع، فشل القلب، اضطراب نظم القلب، تضخم القلب والانصباب التاموري.

·  العضلات والمفاصل: متلازمة النفق الرسغي (carpal tunnel syndrome)، ضعف العضلات، ألم المفاصل، أو تصلب المفاصل.

·  مضاعفات أخرى عديدة وتشمل:

  قصور الغدة الدرقية (hypothyroidism).

  خلل في الوظائف الجنسية للرجل.

  تفاقم في الحمل.

يعتمد التشخيص في حالة تصلب الجلد على التاريخ المرضي، بشكل بارز وعلى الأعراض واكتشاف علامات المرض البارزة وبالذات في الجلد. ليس من السهل تشخيص تصلب الجلد، وبالذات في المراحل المبكرة من المرض، حيث يمكن أن تكون الأعراض مشابهة لتلك التي تظهر في أمراض أخرى للنسيج الضام. كما ذكر، فان بعض أنواع تصلب الجلد موضعية ولا تظهر فيها جميع الأعراض. لذا فان مدى الأعراض واسع، ويختلف بين مريض لاخر، مما يصعب على التشخيص.

يعتمد الأطباء على عدة اختبارات، معظمها من فحوصات الدم، لتُساعد على التشخيص. يمكن للطبيب الاستعانة بالفحوصات التالية:

·  تعداد الدم الكامل (CBC- complete blood count): لاكتشاف فقر الدم اذا وجد.

·  فحص الأجسام المضادة الذاتية: وهي مجموعة أجسام مضادة تنتجها المناعة الذاتية ضد الجسم نفسه، مما يؤدي لأمراض المناعة الذاتية (ومنها تصلب الجلد). أهم هذه الأجسام المضادة:

  الأجسام المضادة المثبطة لإنزيم توبوأيزوميراز (Anti topoisomerase). شائع في تصلب الجلد المجموعي المنتشر.

  الأجسام المضادة المثبطة للجسيمات المركزية (Anti centromere). شائع في تصلب الجلد المجموعي المحدود.

لا تؤكد هذه الفحوصات وجود تصلب الجلد، لكنها تزيد من احتمال تشخيصه.

يتوقع أن يسير تصلب الجلد متقدماً ومتفاقماً ودون علاج، فان المرض يتقدم أكثر وقد يسبب الوفاة.  في حال تصلب الجلد المجموعي المنتشر، فان احتمالات البقاء على قيد الحياة لمدة 5 سنوات تُقارب ال 70%. أما في حال تصلب الجلد المجموعي المحدود، فاحتمال البقاء على قيد الحياة لمدة 5 سنوات هي 90%. غالباً ما يتوفى المرضى نتيجة مضاعفات المرض كتليف الرئة، ضغط الدم الرئوي المرتفع، النوبة الكلوية، سرطان الرئة وأمراض القلب.

لا يوجد علاج شاف لمرض تصلب الجلد، ويهدف العلاج الموجود اليوم الى تخفيف الأعراض وعلاج المضاعفات في حال ظهورها. على المريض والطبيب الحفاظ على المتابعة والفحص المستمر خلال العلاج، لتقييم وضع المريض، وجود مضاعفات، انتشار تصلب الجلد ومدى الاستجابة للعلاج.

بالاضافة لعلاج الأعراض والمضاعفات، الموجه للعضو المصاب، فان العلاج بالأدوية المضادة لجهاز المناعة هو أساس علاج تصلب الجلد. وذلك نظراً لأن مرض تصلب الجلد هو داء مناعة ذاتية، ويتطلب العلاج بالأدوية المضادة لجهاز المناعة.

علاج الأعراض في تصلب الجلد

يعتمد العلاج على عدة طرق وأدوية هدفها التخفيف من الأعراض والحد من المضاعفات. امكانيات العلاج هي:

·  علاج ظاهرة رينو.

·  علاج أعراض الجهاز الهضمي: مثل علاج الجزر المريئي بالأدوية أو العلاج الناظوري.

·  علاج أمراض الرئة وبالذات ضغط الدم الرئوي المرتفع بالأدوية الموسعة للأوعية الدموية الرئوية:

  محصرات قنوات الكالسيوم (calcium channel blockers).

  مضاهي البروستاتسايكلين (prostacyclines analogue) مثل ايلوبروست (illoprost).

  الفياغرا.

  محصرات الأندوتيلين (endothilin 1 blocker).

·  علاج الكلى: أي علاج ضغط الدم المرتفع، وعلاج النوبة الكلوية في حال حدوثها بواسطة:

  مثبط الانزيم المحول للأنغيوتنسين (ACE inhibitor)، وهو العلاج الأول والأهم لعلاج النوبة الكلوية.

  الدوال الكلوي (Dialysis): وذلك في حال فشل مثبط الانزيم المحول للأنغيوتنسين.

·  علاج الجلد: يختلف العلاج حسب درجة الاصابة للجلد:

  دهون الزيوت والكريمات المطرية في الحالات الطفيفة، لمنع الجفاف وتخفيف التصلب.

  دهون الأدوية ضد الالتهاب للجلد مثل الستيرويد (Steroids).

  المضادات الحيوية في حال وجود القرح الجلدية، لمنع العدوى الجرثومية.

  ربما تحتاج القرح الجلدية للعلاج الجراحي بالانضار (ازالة الأنسجة الميتة في القرح).

  الأدوية المضادة لتليف الجلد والتصلب مثل البنيتسيل أمين (D-penecillamine)، وقد أظهرت هذه الأدوية نجاعة ما في علاج التليف الجلدي.

العلاج بالأدوية الكابتة للمناعة

الهدف من العلاج بهذه الأدوية هو التقليل من الضرر التي يسببه جهاز المناعة، نظراً لأن تصلب الجلد هو داء مناعة ذاتي يهاجم فيه جهاز المناعة أنسجة الجسم ويسبب الالتهاب ثم التليف والتصلب. مع ذلك، فان أحداً من الأدوية لم يُثبت في الدراسات كناجع لدرجة الشفاء من تصلب الجلد، أو التحكم به على الأقل.

·  الستيرويد (steroids): وبالذات من نوع Glucocorticosteroids. يُساعد على التخفيف من الألم ولكن لا يغير من المجرى الطبيعي للمرض. كما أن الستيرويد يسبب تفاقم النوبة الكلوية، لذا من المفضل الامتناع عن استعماله.

·  التسايكلوفوسفاميد (Cyclophosphamide): ويؤدي استعماله لتحسن الأعراض الجلدية والرئوية.

·  الميتوتريكسات (Methotrexate): لكن استعماله لم يُحدث الكثير من النتائج الجيدة، كما أن للدواء أعراض جانبية تُشبه أعراض تصلب الجلد، مثل تليف الرئة والكبد.

·  الميكوفينوليت (Mycophenolate mofetil): ويؤدي للتحسن في الأعراض الجلدية.

الأدوية المضادة للتليف والتصلب

لا يوجد حتى الان الكثير من الأدوية المضادة للتليف والتصلب. أثبتت الدراسات أن البنيتسيل أمين (D-penecillamine)، قد يعمل على وقف التليف والتصلب ويُساعد في علاج تصلب الجلد.