فقدان الشهية العصبي
مرض فقدان الشهية العصبي (Anorexia Nervosa) هي حالة من اضطرابات الأكل التي تؤدي لفقدان الوزن حتى النحافة، وذلك اثر تصرفات تهدف لفقدان الوزن. أكثر من نصف المرضى المصابين بمرض فقدان الشهية العصبي يحدون من كمية الطعام التي يتناولونها، ويخسرون الوزن الباقي من خلال المجهود الجسدي المكثف. تتميز حالة فقدان الشهية العصبي أيضاً برفض زيادة الوزن الى درجاته الطبيعية، وكذلك الخوف من زيادة الوزن وتفسير خاطئ لمقاييس الجسم.
رغم أن المرض يسمى بفقدان الشهية، الا أن الاسم غير ملائم للحالة في بعض الأحيان. حيث أن فقدان الشهية يظهر في المراحل المتقدمة فقط. يصيب فقدان الشهية العصبي غالباً الفتيات في سن المراهقة، ويُمكن الشفاء منه ولكنه قد يؤدي لمضاعفات تسبب الوفاة في الحالات القصوى.
فقدان الشهية العصبي يصيب حوالي 1% من الفتيات المراهقات، وينتشر المرض في المدن والدول المتقدمة، ومعظم الحالات تكون لدى الأشخاص ذوي الحالة الاجتماعية والاقتصادية الجيدة. نشير الى أن حالات فقدان الشهية العصبي في ازدياد متقدم خلال السنوات الأخيرة.
قد يصيب فقدان الشهية العصبي الفتيات من سن العاشرة وحتى الثلاثين، ولكن فقط لدى 5% منهن يبدأ فقدان الشهية العصبي في سن العشرين، ومعظم الحالات هي في سنوات الرابعة عشر حتى الثامنة عشر.
نشير أن أكثر من 90% من المرضى هم من الفتيات الشابات، وفقط 5% من الذكور. كما أن فقدان الشهية العصبي ينتشر لدى من يمارس بعض أنواع الرياضة التي تتطلب نحافة معينة (كالبالية، الرقص أو الايروبيكا).
بعض الأمراض النفسية قد ترافق فقدان الشهية العصبي وأهمها:
· الاكتئاب: يصيب أكثر من نصف المصابين بفقدان الشهية العصبي.
· الخوف الاجتماعي: الخوف من الناس ومن الظهور أمام كمية كبيرة من الناس يرافق حوالي ثلث المصابين بفقدان الشهية العصبي.
· الاضطراب الوسواسي القهري (OCD- Obsessive Compulsive Disorder).
لا يُمكن الاشارة لسبب واحد ووحيد يؤدي لفقدان الشهية العصبي، بل توجد عدة عوامل بيولوجية، اجتماعية ونفسية تشترك في ذلك. أهم هذه العوامل هي:
· العوامل البيولوجية: توجد تغيرات في افراز عدة مواد في الدماغ لدى مرضى فقدان الشهية العصبي. أهم هذه المواد هو السيروتونين (Serotonin) الذي يؤثر على مركز الجوع والشبع في الدماغ. من هنا يمكن القول أن اضطراب في مستوى السيروتونين يلعب دوراً مهماً في تسبيب فقدان الشهية العصبي.
· عوامل اجتماعية: المرأة المثالية لدى جزء لا بأس به من المجتمع هي امرأة نحيفة وجميلة. لدى البعض من الفتيات فان الأمر يؤثر بشكل عميق وسلبي، ويسعين لتحقيق هذه المثالية بكل طريقة ممكنة. لكن تكمن المشكلة في أن الفتاة المصابة بفقدان الشهية العصبي تتقدم نحو النحافة دون أن تكتفي بما أنجزت، وبنظرها تبقى غير مثالية.
· عوامل وراثية وعائلية: على ما يبدو فان وجود حالات فقدان الشهية العصبي في العائلة يزيد من احتمال الاصابة بفقدان الشهية العصبي لدى أفراد العائلة الاخرين.
· عوامل نفسية: صراعات نفسية داخلية كثيرة تسبب فقدان الشهية العصبي، مثل عدم الاكتفاء الذاتي، المثالية، الخوف من التحول من فتاة الى امرأة بالغة، الرغبة في التحكم وغيرها.
يظهر مرض فقدان الشهية العصبي لدى الفتيات في سن المراهقة كما ذكرنا من قبل، ويبدو الأمر بدايةً على أنه حمية غذائية لتخفيف الوزن. من ناحية التغذية يمكن ملاحظة التغيرات التالية لدى الفتيات المصابات بفقدان الشهية العصبي:
· تقليل كمية الدهنيات والكربوهيدرات في الطعام.
· تعداد السعرات الحرارية بحيث تعرف الفتاة مقدار السعرات في الطعام الذي تتناوله.
· تناول الحمية الغذائية فقط، ورفض تناول الطعام العادي.
· تناول الطعام سراً.
· في بداية المرض تكون الشهية عالية ولكن سرعان ما يتقدم المرض لتفقد الفتاة شهيتها.
· الاهتمام الزائد بالطعام، والاهتمام بتحضير الطعام للاخرين مع الرفض المستمر لتناول الطعام بصحبتهم.
· البطء في تناول الطعام مصحوب بتناول وجبات صغيرة ومرتبة.
· اخفاء الطعام في أماكن عدة بحيث يكون الصحن فارغاً في نهاية الوجبة. قد تخفي الفتاة الطعام في جيابها، ثيابها، أحذيتها أو ترمي به الى خارج الشباك.
· استعمال الأدوية التي تؤدي للاسهال أو مدرات البول.
كما تقوم الفتيات المصابات بفقدان الشهية العصبي بتمارين رياضية مكثفة ويمكن الاستمرار في التمارين لمدة ساعات يومياً، سواء في السباحة، المشي، الركض، ركوب الدراجات الهوائية وغيرها. نشير أن بعض الفتيات قد يقمن بتمارين غير مقبولة مثل القفز على السرير أو صعود الدرج مراراً وتكراراً.
في بعض الحالات تأكل الفتيات بشراهة ويُدخلن الى الجسم كميات كبيرة من الطعام ومن ثم يحاولن التخلص من هذه الكميات، سواء من خلال القيء، الأدوية المُسهلة أو مدرات البول.
أعراض أخرى هي:
· عدم الاعتراف بوجود مشكلة، ورفض التوجه لعلاج.
· أعراض نفسية مصاحبة مثل أعراض الاكتئاب، القلق أو اضطرابات أخرى.
· عدم الاهتمام بالجنس أو بالمجتمع.
· شخصية الفتاة تصبح حادة، نرجسية، وتقترب للمثالية.
· الوفاة: هنا تكمن خطورة المرض، حيث أنه يؤدي للوفاة في 10-12% من حالات فقدان الشهية العصبي.
· النحافة: وتكون بدرجات قصوى بحيث يستهلك الجسم كل ما لديه من طاقة ويحرق جميع السعرات الحرارية، فيقترب جسم الفتاة الى هيكل عظمي مغطى بالأعضاء الداخلية والجلد.
· القلب: عضلات القلب تتأثر سلباً وتقل كتلتها، بحيث تصاب الفتاة باضطراب نظم القلب وحتى فشل القلب.
· ضغط الدم المنخفض.
· الجهاز الهضمي: الامساك، ألم البطن اثر بطء عمل الجهاز الهضمي.
· انقطاع الحيض واضطرابات الهرمونات الجنسية الأنثوية.
· الجلد: الوذمة في الجلد (أي تراكم الماء) وتساقط الشعر.
· قلة كريات الدم البيضاء مما يعرض المرضى لخطورة الاصابة بالعدوى.
· الاكتئاب.
· هشاشة العظام: من أخطر المضاعفات وأهمها وسببه قلة الاستروجين والكالسيوم، وقد يسبب كسوراً في جميع أنحاء الجسم.
· انخفاض درجة حرارة الجسم والشعور بالبرد حتى في الصيف.
توجد أربعة معايير لتشخيص فقدان الشهية العصبي وهي:
· نقص الوزن- بحيث يكون الوزن أقل من 85% من المتوقع وفقاً للجيل، الجنس والطول. يُمكن حساب ال BMI، واذا كان أقل من 20 يتم تشخيص نقص الوزن.
· الخوف الشديد من السمنة أو زيادة الوزن.
· تشويه رؤية الجسم، بحيث يظن المريض أنه سمين ويرفض كونه نحيفاً جداً.
· انقطاع الحيض لمدة ثلاثة أشهر على الأقل لدى الفتاة.
على الأهل، الأصدقاء أو الطبيب الانتباه لهذه المعايير والتي قد تدل على وجود فقدان الشهية العصبي، وفي حال توفرها يجب نقل الفتاة الى العلاج النفسي. من المهم أيضاً استبعاد حالات أخرى تسبب أعراض مشابهة.
الشفاء من فقدان الشهية العصبي ممكن، ولكن فقط قلة نادرة من المصابات بفقدان الشهية العصبي تحقق ذلك. البعض من المصابات يُشفين من المرض بعد فترة من العلاج، ولكن من المتوقع تنكس المرض مرة أخرى.
غالباً ما يكون سير المرض مزمناً بحيث لا يُمكن شفاء الفتاة من فقدان الشهية العصبي كلياً، انما يتم علاجها لانقاذ حياتها. هنا تصبح حياة الفتاة صعبة جداً – الفتاة لا تعمل، لا تبني علاقات اجتماعية وقد تفقد كل الدعم من عائلتها. لذا فان معظم حالات فقدان الشهية العصبي تتطلب علاجاً مستمراً ومتابعة دائمة للحفاظ على الفتاة ولاعادة تأهيلها من جديد.
علاج فقدان الشهية العصبي ليس بالأمر الهين، وتشترك عدة جهات في العلاج كالطبيب النفسي، العامل الاجتماعي، المعالج النفسي وغيرها من جهات مسؤولة. معظم العلاج يتم في البيت أو في العيادات أو في مراكز خاصة. من المهم الاستيعاب أن حجر الأساس في العلاج هو الرفض الاستمراري لدى الفتاة للعلاج – لذا فان توجه العلاج يكون مختلفاً عن حالات نفسية أخرى. مدة علاج فقدان الشهية العصبي تستمر لسنوات طوال مع استمرار المتابعة.
يُنصح بالدخول الى المُستشفى في حال فشل العلاج البيتي أو في حال عدم توفر دعم كافي في البيت. كما يتم ادخال الفتاة الى المستشفى في حال وجود خطورة فورية على حياتها. طبعاً توجد أقسام خاصة لعلاج الأمراض النفسية، وفي بعض المركز توجد اقسام خاصة لعلاج اضطرابات الأكل وهي أفضل وأكثر مهنيةً من مستشفى الأمراض النفسية.
المرحلة الأولى من علاج فقدان الشهية العصبي تهدف الى تحسين التغذية بحيث يتم اقناع الفتاة بتناول الطعام، سواء عن طريق الفم أو طعام مطحون عن طريق الوريد. بعد اعادة تأهيل الفتاة من الناحية الغذائية يُمكن البدء بجوانب العلاج الأخرى والتي تشمل امكانيات علاج نفسي متعددة. يجب الاستمرار بتغذية الفتاة طوال فترة العلاج، ومنعها من استخدام الوسائل التي قد تضر بتغذيتها كمدرات البول أو الأدوية المُسهلة.
جانب اخر من العلاج هو اخصائية التغذية التي تقوم ببناء برنامج تغذية خاص وتُقيم حالة التغذية لدى المرضى. اخصائية التغذية تحاول اعادة تأهيل الفتاة من خلال حمية غذائية مناسبة.
أحد الجوانب المهمة في العلاج هي المعالجة العائلية والهدف منها هو معالجة مشاكل داخل العائلة قد تكون السبب في فقدان الشهية العصبي. نشير أن الأهل ممكن أن يشاركوا في العلاج وتعاونهم أفضل من انكارهم للمرض.
العلاج بالأدوية: لا يوجد دواء يعالج فقدان الشهية العصبي ويشفي من المرض، رغم أبحاث عديدة في المجال واستخدام العديد من الأدوية. يتم استخدام الأدوية فقط في حال وجود اضطرابات نفسية أخرى، ومدة العلاج بالأدوية تستغرق شهر حتى ثلاثة أشهر.