تجلُط الأوردة العميقة والإنصمام الرّئوي
ألأوردة (جمع وريد) هي الأوعية الدَّمويَّة التي تجمع الدَّم من الجسم وتُعيدُهُ إلى القلب. تُقسَّم الأوردة إلى قسمين العميقة (Deep), والسَّطحيَّة (Superficial). سُمِّيت بهذه الأسماء نسبةً لموقعها, فالأوردة القريبة من الجلد هي سطحيَّة, وتلك التي تكون أعمق منها تُسمّى بالعميقة. تربط بين هذين الجهازين شبكة أوعية دمويَّة بمقدورها نقل قسم من الدَّم من واحدة إلى أخرى.
ألتَّجلُّط (Thrombosis) هو عمليَّة تماسك الدَّم وتحويل كتلة منه من الحالة السَّائلة إلى الصَّلبة وهي غالبًا عمليَّة سليمة من عمليّات جهاز الدَّم, فمثلًا عند حدوث جرح في الجلد يحدث التَّجلُّط في الوريد\الشِّريان الذي لحقه الضَّرر بهدف إيقاف النَّزيف. لكن يُمكن لهذه العمليَّة أن تحدث في إحدى الأوردة في الجسم لأسبابٍ عدَّة سيتم تفصيلها لاحقًا وعندما تحدث في الأوردة العميقة تُسمّى بتجلُّط الأوردة العميقة (Deep vein thrombosis), عادةً تحدث في أوردة الحوض, الفخذ, والسَّاق.
هذه التَّجلُّطات قد تُغلق قسمًا من فراغ الوريد, لكن المُشكلة الكامنة فيه ليس بذلك إنَّما بإمكانيَّة تحرير جزءًا منها إلى القلب لتنتقل من هناك إلى شرايين الرِّئة فتُغلق قسمًا منها, عندها تُسمّى الإنصمام الرِّئوي (Pulmonary embolism).
حدوث الإنصمام الرِّئوي يؤدّي إلى العديد من العوارض مثل ضيق النَّفس, وأوجاع الصَّدر, وهو يُعد من الحالات الخطرة التي علينا تشخيصها بأسرع ما يُمكن حيث يُمكن أن تكون مُميتة.
لكي يتكوَّن التَّجلُّط في الأوردة يجب أن تحدث إحدى هذه الأمور :
- ركود الدَّم في الأوردة, ذلك يحدث بشكل خاص في الأوردة العميقة في الرِّجل وذلك بسبب الجاذبيَّة التي تُعرقله عودته إلى القلب خاصَّةً عندما يُعاني الشَّخص من قلَّة النَّشاط الجسماني.
- ضرر للأوعية الدَّمويَّة : يُؤدّي إلى تحرير مواد من الأوعية المُصابة التي تعمل على تخثُّر الدَّم وذلك لمنع نزيف الدَّم.
- فرط الخثوريَّة (Hypercoagulability) : أي عندما يتخثَّر الدَّم بشكلٍ مُبالغٍ فيه, فالتَّخثُّر يؤدّي لتكوُّن تجلُّط الدَّم.
هذه الأمور قد تحدث لأسبابٍ عدّة, أهمُّها :
- ألخضوع لعمليَّة جراحيَّة, خاصَّة إن كانت طويلة.
- سرطان.
- حالة تجلُّط في الماضي.
- كسر عظام الحوض أو الفخذ.
- فرط التَّخثُّر الذي يُمكن أن يكون مولودًا أو مُكتسبًا.
- ألشَّلل.
- تناول الهورمونات مثل الإستروجين في فترة إنقطاع الدَّورة الشَّهريَّة.
- ألحمل, ألولادة مُؤخَّرًا.
- جلطة قلبيَّة أو دماغيَّة في الماضي.
- فشل القلب المُحتقن (chronic heart failure).
- وجود الدَّوالي (Varicose veins) في الأرجل.
- داء الأمعاء الإلتهابي (Inflammatory bowel disease).
- ألجيل : مع تقدُّم العُمُر.
- نمط حياة يفتقد للنشّاط الجسماني.
- ألسُّمنة المُفرطة.
- ألسَّفر في الطَّائرة : خاصَّةً لساعاتٍ طويلة.
- ألتَّدخين.
- تناول أدوية منع الحمل.
تجلُّط الأوردة العميقة في الجزء الأعلى من الجسم ليس شائعًا وحدوثه يدُل عادةً مُصاحب بوجود سبب في الخلفيَّة. أهم هذه الأسباب :
- وجود قثطار (Catheter) بأوردة اليد : هذه القثطارات قد تُستعمل في الإستشفاءات لمراقبة عمل القلب, لإعطاء الأدوية الكيميائيَّة وغيرها.
- سرطان : وجود سرطان في الجسم.
- ألقيام بجهد رياضي, مثل رفع الأثقال. سبب نادر.
في الغالبيَّة السَّاحقة من الحالات ألسَّبب للإنصمام الرِّئوي هو تحرير جزء من التجلُّط الموجود في الأوردة العميقة خاصَّةُ في الرَّجل. تجلُّط الأوردة العميقة في اليد نادرًا ما يُؤدّي إلى الإنصمام الرِّئوي.
هناك أسباب أخرى لكنَّها أقل شيوعًا :
- إنصمام أمنيوتي : عند التَّوليد يُمكن لكميَّة قليلة من السَّائل الأمنيوتي -وهو السَّائل الموجود داخل الرَّحم حول الجنين- أن يدخل إلى الدَّروة الدَّمويَّة ويصل إلى شرايين الرِّئة عند الأم.
- إنصمام دهني : شائع عند تعرُّض عظمة الفخذ للكسر, حيث جزء من دُهنيَّات الجسم ينتقل إلى الدَّم ويُسبِّب إنصمام رئوي.
- إنصمام هوائي : عند إدخال قثطار (catheter) إلى وعاء دموي في الجسم بشكل غير سليم قد يدخل هواء إلى داخل الوعاء وينتقل إلى الشرايين الرئويَّة.
أعراض الإنصمام الرِّئوي تحدث بشكلٍ حاد وفُجائي, وقد تشمل :
- ضيق النَّفس.
- ألألم في الصَّدر, تزداد حدَّتُهُ عند السُّعال أو التَّنفس.
- ألسُّعال, قد يخرج دم في السُّعال.
- ألتَّعب الجسماني.
- ألعرق.
- ألتَّنفُّس السَّريع.
- دقَّات القلب السَّريعة.
- ألقلق.
- فقدان الوعي.
أعراض الإنصمام الرِّئوي تتعلَّق بحجم الكُتلة التي حُرِّرت إلى الرِّئة, فكتلة كبيرة يمكُنها أن تمنع كميَّة دم كبيرة من الوصول إلى الرِّئة وقد تُؤدّي إلى موت المريض.
تجلُّط الأوردة العميقة يفتقد للأعراض في نصف الحالات, خاصَّةً عندما تحدث في الحوض. عندما تتوفَّر الأعراض فإنَّها تتخلَّل :
- إنتفاخ الرِّجل حول أو أسفل مكان التَّجلُّط. عادةً يكون في جهةٍ واحدة.
- وجع في الرِّجل التي تعاني من التَّجلُّط, خاصَّةً عند الوقوف أو المشي.
- سخونة الجلد حول مكان التَّجلُّط.
- إحمرار الجلد حول مكان التَّجلُّط.
- وجود الدَّوالي.
- ألشُّعور بالتَّعب.
يقوم الطبيب بتوجيه الأسئلة للمريض وفحصه جسديًّا بحثًا عن العوارض. عوارض المرض لا تُوحِّد المرض بتاتًا ويمكنها أن تظهر في أمراضٍ أخرى مثل إلتهاب الرِّئة, الجلطة القلبيَّة, نوبة خوف, لذلك من البالغ في الأهميَّة تحديد عوامل الخطر الموجودة عند المريض وذلك بالأساس بواسطة توجيه الأسئلة له.
يمكن إجراء فحوصات أوليَّة في غرفة الطّوارئ :
- صورة رنتجن للصَّدر : أساسًا لنفي إلتهاب الرِّئوي.
- غازات في الدَّم : يتم فحص الأوكسوجين في الدَّم.
- مُخطَّط كهربيَّة القلب (EKG) : يُساعدنا على نفي الجلطة القلبيَّة. كما ويمكن أن يحتوي على رموز تدل على الإنصمام الرِّئوي.
- D-Dimer في الدَّم : نسب منخفضه منه تنفي وجود إنصمام رئوي.
-
Troponin, BNP : مادَّتين يمكن فحص نسبتهما في الدَّم. إذا كانت مرتفعة بوجود إنصمام رئوي تدل على ضرر كبير حدث للقلب جرّاء المرض.
لكي نُشخِّص المرض بشكل مُؤكَّد يجب أن يقوم المريض بإجراء إحدى هذين الفحصين :
- CT-Angio : صورة طبقيَّة للصَّدر يقوم المريض بإجرائها بعد حقن مادَّة إلى دمه. ألفحص المُفضَّل.
- فحص تهوية وتشريح الجُثَّة (Ventilation perfusion ratio) : يتم حقن المريض وإعطاءه ليتنفَّس مادَّة مُشعَّة, ويتم قياس مدى تلائم المناطق التي يصلها كل من المادَّتين.
هناك فحوصات أخرى يُمكن الإستعانة بها خاصَّة إن لم يكن بمقدورنا إستعمال الفحصين الأخيرين :
- تصوير الأوعية الرِّئويَّة (Pulmonary angiogram) : هو عمليَّة قسطرة لأوعية الدَّم في الرِّئة. أكثر الفحوصات دقَّةً لكنها غير مُستعملة بشكل خاص لأنها تتطلَّب إدخال أجسام غريبة للجسم من أجل إجراء الفحص.
- ECHO : يمكن إدخال جهاز عن طريق المريء الذي يستطيع أخذ صور فوق صوتيَّة وتصوير حركة الدَّم.
- Ultrasound\Doppler : للأرجل لإيجاد تجلُّطات في الأوردة الدَّمويَّة العميقة. تزيد من إمكانية وجود إنصمام الرِّئوي.
ألعلاج الأساسي يتم بواسطة الأدوية المضادَّة لتخثُّر الدَّم (Anticoagulant), أشهرها Heparin, Warfarin, Clexan, حيث تقوم هذه الأدوية بمنع نمو التَّجلُّط الذي حدث في الشرايين الرئويَّة ومنع تكوُّن تجلُّطات جديدة. يتم تناول هذه الأدوية عادةً لمدَّة نصف سنة – سنة وهي الفترة التي يكون فيها المريض معرَّض بشكل خاص لحالة أخرى. هناك حالات يتوجَّب على المريض تناول الدَّواء طيلة حياته, وذلك حسبما يُقرِّره الطَّبيب.
عادةً يبدأ العلاج بال Heparin أو Clexan بواسطة الحقن ويتم إستبداله خلال أسبوع ب Warfarin الذي يُأخذ فمويًّا. من سيِّئات ال Warfarin أنَّه يتطلَّب فحوصات دم منتظمة لمراقبة تأثيره على تخثُّر الدَّم. كما وأنّه يضر في الجنين لذلك يُمنع على الحامل تناوله.
إذا كان الإنصمام الرئوي كبيرًا ويهدِّد حياة المريض نلجأ لطرق علاج أخرى :
- إنحلال الفبرين (Fibrinolysis) : الفبرين يُكوِّن جزءًا هامًا من التَّجلُّط. هناك مواد يمكن حقنها لداخل الأوعية الدَّمويَّة لتصل التَّجلُّط وتقوم بتحليله. يُمكن لهذا العلاج أن يؤدّي إلى نزيف في عدَّة أماكن في الجسم.
- إستئصال الصَّمة (Embolectomy) : بواسطة عمليَّة جراحيَّة بسيطة يُمكن إخراج التَّجلُّط.
هناك حالات يُمنع المريض فيها إستعمال الأدوية المُضادَّة للتخثُّر, أو أنَّ هذه الأدوية لم تفلح في منع حالات إضافيَّة من الإنصمامات الرَّئويَّة. عندها يمكن إدخال مُرشِّح في الوريد الأجوف السُّفلي (Inferior vena cava filter) : إذا حدث وأن تحرَّر جزء من التَّجلُّط في أوردة الأرجل العميقة فإنَّ هذه المُرشِّحات تمنع وصولها إلى شرايين الرئة.
لا يُمكن منع تجلُّط الأوردة العميقة بشكل مُطلق, لكن بالطبع هناك حالات عديدة يكون فيها الشَّخص مُعرَّض بشكل خاص لفرط التخثُّر وحدوث التَّجلُّطات مثل شخص بعد إجراء عمليَّة جراحيَّة طويلة. على الطَّاقم الطِّبي تشخيص هذه الحالات والتَّدخُّل من أجل التَّقليل من إمكانيَّة حدوث التَّجلُّطات والإنصمام. ما هي الأمور التي يُمكن إجرائها :
- ألقيام بعمل جسماني, وعدم البقاء في السَّرير بعد العمليَّات الجراحيَّة.
- أدوية لمنع التَّخثُّر, لكن عادةً لفترة محدودة.
- جوارب ضاغطة : جوارب خاصة, تقلل من التجلُّطات في أوردة الأرجل.
- عند السَّفر لساعاتٍ طويلة : يُنصح بالوقوف والمشي قليلاً كل ساعة, شرب الماء.
- إذا كان الشَّخص يملك عوامل خطر مولودة لفرط تخثُّر الدَّم يُنصح بعدم التَّدخين أو أخذ هورمونات منع الحمل.