الصداع النصفي
الصداع النصفي (Migraine) أو الشقيقة، هو أحد الأمراض الشائعة والذي يسبب ألم الرأس، ويتميز غالباً بنوبات ألم نابض وشديد في نصف الرأس. رغم أن معظم حالات الصداع النصفي عديمة الخطورة ولا تهدد الحياة، الا أن ألم الرأس الذي يصيب المريض قد يكون منهكاً ويؤثر على نمط الحياة سلبياً.
يصيب الصداع النصفي الأطفال أو عند بداية سن البلوغ، وحوالي 12-16 % من الأشخاص يصابون بالصداع النصفي. كما أن الصداع النصفي يصيب الاناث أكثر من الذكور بمرتين. التاريخ العائلي للصداع النصفي يوجد في حوالي 70% من حالات الصداع النصفي.
لا تزال الأسباب الدقيقة للصداع النصفي غير واضحة تماماً، ولكن توجد عدة نظريات حول سبب الصداع النصفي. النظرية الأكثر شيوعاً والمقبولة لدى معظم الأطباء بعد اجراء العديد من الأبحاث، ترتبط بالأوعية الدموية. حيث أن الأوعية الدموية في جلد الرأس تتوسع بشدة وتضغط على الأعصاب مما يؤدي لنوبات الألم الشديد، ويرافقها في ذلك الألم في العين الناتج عن الضغط على الأعصاب التي تمد العين. كما أن لهرمون السيروتونين (Serotonin) دور مهم في نوبات الصداع النصفي، حيث أن تغير نسبة السيروتونين في جلد الرأس يسبب بداية النوبات.
العديد من العوامل تمثل محفزات للصداع النصفي وتحفز بداية النوبة. أهم هذه العوامل هي:
· الكحول.
· الشوكولاتة.
· بعض أنواع الأجبان.
· الضغط النفسي.
· التعب والارهاق الجسدي.
· المجهود الجسدي.
· قلة النوم أو النوم غير السليم.
· التغييرات الهرمونية: لدى النساء فان التغييرات الهرمونية تؤدي لبداية نوبات الصداع النصفي، وتحدث هذه التغييرات قبل الدورة الشهرية أو عند تناول حبوب منع الحمل.
· الروائح الشديدة الكريهة أو الجميلة منها.
· تغييرات الطقس.
· التدخين.
تجنب هذه الأسباب قد يُمكن المصاب بالصداع النصفي من تجنب النوبات.
أهم أعراض الصداع النصفي هو ألم الرأس. يبدأ الصداع النصفي تدريجياً وتزداد شدته تدريجياً ويستمر لمدة دقائق، ساعات وأحياناً أيام. يخف الألم تدريجياً أيضاً. في البداية يكون الألم طفيفاً وغير حاد، لكنه يزداد بشدته ويصبح نابضاً في نصف واحد من الرأس فقط. تزداد شدة الألم عند التعرض للضوء، الضجة، عند تحريك الرأس، والعطس. نشير الى أن المصابين بنوبات الألم يفضلون البقاء في غرفة معتمة، هادئة ويحاولون النوم دون حركة.
أعراض أخرى – غالباً ما يكون ألم الرأس مصحوب بالغثيان، القيء، الحساسية للضوء والضجة. حوالي 10-20% من المصابين بالصداع النصفي يشعرون أيضاً بامتلاء الأنف، ازدياد الافرازات من الأنف وافراط الدمع.
الأورة (Aura) – حوالي 20% من المصابين بالصداع النصفي يصابون بالأورة. والأورة هي أعراض وشعور سابق لألم الرأس بعدة دقائق أو ساعات، وتُنذر ببداية نوبة الصداع النصفي. وقد تكون الأورة كأضواء ساطعة، نقاط مضيئة، خطوط متعرجة أو تغيرات في الرؤية. لدى البعض فان الأورة تؤدي لنخز أو خدر في الوجه، اللسان، أطراف الأصابع أو الشفتين. هذه الأعراض قد تكون مخيفة أحياناً لكنها لا تشكل خطورة على حياة المريض.
نوبات الصداع النصفي تتكرر في معظم الحالات ولكنها لا تحدث لأكثر من مرتين في الأسبوع في أغلب الحالات. تستمر النوبات ما بين ساعتين وحتى 72 ساعة.
معظم حالات الصداع النصفي تحدث كما وصف أعلاه، لكن بعض الحالات الخاصة غير الشائعة قد تسبب ما يلي:
· الصداع النصفي القاعدي (Basilar Migraine): يميزه صعوبة في الكلام، عدم الاتزان، اضطراب الرؤية، وأحياناً خدر الأطراف وحتى شللها. نادراً ما يؤدي الصداع النصفي القاعدي لفقدان الوعي قبل نوبات ألم الرأس.
· الصداع النصفي المصحوب بالشلل النصفي / الفالج (Hemiplegic Migraine): يتميز بأورة نادرة وهي عبارة عن شلل نصفي في الأطراف أو الوجه أو كليهما، ويستمر لعدة أيام. غالباً ما يتم تشخيص الحالة كنوبة دماغية، ويكون الصداع النصفي المصحوب بالشلل وراثياً. يختفي الشلل النصفي مع انتهاء النوبة.
· الصداع النصفي المصحوب بشلل العين (Ophthalmoplegic Migraine): يتيمز بشلل العين وعدم قدرتها على الحركة في بعض الاتجاهات. غالباً ما يصيب الشلل العضلة المحركة للجنب، والتفسير لهذه الظاهرة هو توسع الشريان السباتي الغائر (Internal Carotid Artery) وضغطه على العصب المحرك للمقلة.
· الصداع النصفي الشبكي (Retinal Migraine): يؤدي لفقدان البصر في عين واحدة بشكل مؤقت، ويليه ألم الرأس. يعود البصر لصاحبه في حال انتهاء النوبة.
جميع هذه الحالات قد تحدث اثر توسع في الأوعية الدموية مما يسبب ضغطاً على الأعصاب وقد يضر بها الأمر. من المهم تشخيص هذه الحالات النادرة وعلاجها لأنها قد تشكل خطورة على المصاب بالشقيقة.
يعتمد تشخيص الصداع النصفي كثيراً على التاريخ المرضي، بحيث يقوم الطبيب بطرح الأسئلة على المريض وهذه الأسئلة تدور حول نوعية ألم الرأس، نوعية النوبات، موعد نوبة ألم الرأس، الأعراض المصحوبة بألم الرأس والتاريخ العائلي. في حال كان وصف المريض للنوبات ملائم للمذكور أعلاه فان الشك بالصداع النصفي يكون كبيراً. كما أن الطبيب يقوم بفحص جسدي معظمه فحص للأعصاب وذلك لاستبعاد أمراض عصبية أخرى قد تسبب أعراض مشابهة.
من المهم التذكير بأن العديد من الأمراض والحالات قد تسبب أعراضاً مشابهة للصداع النصفي، ومن المهم استبعادها من خلال التاريخ المرضي والفحص الجسدي. كما أن عدة اختبارات مهمة لاستبعاد أمراض مشابهة للصداع النصفي، وأهمها هي الاختبارات التصويرية كالتصوير الطبقي المحوسب أو التصوير بالرنين المغناطيسي. لاستبعاد مرض الصرع من المهم اجراء اختبار تخطيط كهربائي لنشاط المخ (EEG).
اختيار العلاج المناسب للصداع النصفي يتعلق بنوعية الصداع النصفي، وتيرة نوبات الصداع النصفي، وشدة نوبات الصداع. يتكون العلاج من:
· علاج النوبة الحادة: يهدف لتلطيف الألم خلال النوبة الحادة.
· العلاج الواقي: يهدف للوقاية من حدوث نوبات الصداع النصفي.
علاج نوبة الصداع النصفي
علاج نوبة الصداع النصفي يهدف لتلطيف الالم، وذلك من خلال عدة أدوية. نشيرالى أن العلاج يكون أكثر نجاعةً في بداية الأعراض، ولدى اللذين يشعرون بالأورة فان بداية الأورة تشكل اشارةً لهم لتناول الأدوية المسكنة للألم.
مسكنات الألم - بعض الحالات من الصداع النصفي تستجيب للعلاج بمسكنات الألم، والتي تشمل الادوية التالية:
· الأسبيرين.
· الأسيتومينوفين (Aciteominphen) أو الأكامول (Acamol).
· ديبيرون (Dypirone) أو باسمه التجاري أوبتلاجين (Optalgin).
· مضادات الالتهاب اللاستيرويدية (NSAIDS- Non Steroidal Anti Inflammatory Drugs) والتي تشمل أدوية مثل الايبوبروفين (Ibuprofen)، نابروكسين (Naproxyn) وغيرها.
هذه الأدوية تساعد في تسكين الألم في الحالات الطفيفة أو المتوسطة من الصداع النصفي. يمكنم تناول هذه الأدوية طالما تسكن الألم في النوبات الحادة، لكن من المهم عدم تناول الادوية باستمرار أو يومياً لانها تسبب أعراضاً جانبية. كما من الممنوع تناول جرعات تزيد عما ينصح به الطبيب لأن الجرعة الفائضة قد تسبب أعراضاً جانبية ومضاعفات (خصوصاً في حال الأسيتومينوفين).
الأدوية المضادة للغثيان والقيء – لمن يشكو من الغثيان والقيء خلال النوبات الحادة للصداع النصفي، يُمكن علاج الأعراض بأدوية مضادة للغثيان والقيء مثل المتيكلوبراميد (Meteclopramide). هذه الأدوية يمكن تناولها كحبوب يوصفها الطبيب أو كحقن في الشرج. كما أن بعض الأدوية تتوفر كأدوية من خلال الوريد يتم تناولها في مراكز العلاج الطبي.
تريبتان (Triptans) – مجموعة من الأدوية المضادة للصداع النصفي وأبرزها السوميتريبتان (Sumitriptan). تتوفر السوميتريبتان كحبوب يمكن تناولها بوصفة طبيب، حقن أو كبخاخ للأنف. أهم الأعراض الجانبية للتريبتان تشمل ألم في مكان الحقن، الدوار، الشعور بالحرارة، وأحياناً الخدر في أطراف الأصابع. لكن معظم أدوية التريبتان امنة لمعظم المرضى. نشير الى أن البخاخ الأنفي يؤثر أسرع من الحبوب وله أقل أعراض جانبية. ممنوع تناول التريبتان في الحالات التالية: ضغط الدم المرتفع، الصداع النصفي القاعدي، الصداع النصفي المصحوب بالشلل النصفي، أمراض القلب، أمراض الأوعية الدموية، الحمل وأمراض الكبد والكلى.
الارجوت (Ergot) – مجموعة أخرى من الأدوية المضادة للصداع النصفي، وتعمل على السيروتونين. تتوفر كحبوب، حقن في الجلد أو في الشرج. الارجوت أقل نجاعة من التريبتان لذا فان استعمالها قل في السنوات الأخيرة. تُستخدم لعلاج النوبات الطويلة المستمرة لأكثر من يومين أو لعلاج النوبات المتكررة من الصداع النصفي. ممنوع تناول الارجوت في الحالات التالية: أمراض الأوعية الدموية، أمراض القلب، أمراض الكلى والكبد.
جزء صغير جداً من المصابين بنوبة الصداع النصفي لا يستجيبون للعلاج بالأدوية أعلاه ويحتاجون علاجاً بأدوية أخرى مثل الستيرويد (Steroids) والتي يمكن تناولها كحقن في المراكز الطبية وفي الحالات المستعصية فقط.
العلاج الواقي للصداع النصفي
يهدف العلاج الواقي للتحكم بنوبات الصداع النصفي ومنع تكرر النوبات لدى الأشخاص. غالباً ما يكون العلاج ناجعاً رغم أن بعض الحالات تُعتبر مستعصية. نشير الى أن فترة عدة أسابيع قد تمر منذ بدء العلاج وحتى ظهور تأثيره.
محصرات مستقبلات البيتا (Beta Blockers) – مجموعة من الأدوية التي تعمل على مستقبل البيتا وتسده، وهذه الأدوية تُستعمل أصلاً لعلاج ضغط الدم المرتفع وأمراض القلب، لكن دورها الايجابي في علاج الصداع النصفي مُثبت أيضاً. تقلل محصرات مستقبلات البيتا من وتيرة النوبات لدى 60-80% من المرضى. أهم هذه الأدوية هو البروبرانولول (Propranolol). توجد العديد من الأعراض الجانبية مثل الاكتئاب، الكوابيس، الضعف الجنسي وغيرها. ممنوع منعاً باتاً أن يتناول مرضى الربو هذه الأدوية.
الأدوية المضادة للاكتئاب – بعض الأدوية المضادة للاكتئاب تُستخدم لعلاج الصداع النصفي وللوقاية من النوبات. تشمل هذه الأدوية مجموعة مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات (TCA- Tricyclic Antidepressants) ومجموعة ال SSRI. جميع هذه الأدوية تعمل على مادة السيروتونين. أهم الأعراض الجانبية هي الدوار، جفاف الفم، الامساك، خفقان القلب، ارتفاع الوزن، عدم وضوح الرؤية، وحصر البول. من المهم اتشارة الطبيب قبل التفكير في تناول هذه الأدوية، نظراً لأنها تُستخدم في الحالات المستعصية وكثيرة الأعراض الجانبية.
الأدوية المضادة للصرع – تشمل الأدوية التالية:
· الفالبورات (Valporic Acid): يُستخد للوقاية من الصداع النصفي وقد يؤدي لأعراض جانبية كارتفاع الوزن وتساقط الشعر. ممنوع تناوله أثناء الحمل.
· الغابابنتين (Gabapentin): في بعض الدراسات أثبتت نجاعة الغابابنتين، الا أن معظم الأطباء لا يستخدمونه لوحده.
· التوبيرامات (Topiramate): دواء اخر ويسبب الاعراض الجانبية التالية: خدر الأطراف، التعب، الغثيان، تغييرات في الطعم، فقدان الشهية، الاسهال وفدان الوزن.
محصرات قنوات الكالسيوم (Calcium Channel Blockers) – دواء يُستخدم لعلاج أمراض القلب وضغط الدم المرتفع، ولكنه أثبت لعلاج الصداع النصفي الواقي أيضاً. يشمل الفيراباميل (Verapamil) والنيفيديبين (Nifedipine). السلبية لهذه الأدوية هو فقدانها لنجاعتها مع مرور الوقت واستعمالها، ولكن يمكن التغلب على الأمر بواسطة تعديل الجرعة أو تغيير الدواء. تستخدم هذه الأدوية في الحالات المستعصية فقط.
ميتيسرجيد (Methysergide) – دواء لعلاج الصداع النصفي والوقاية منه. يُستخدم في الحالات المستعصية، لكن من الحذر منه بسبب أعراضه الجانبية وخاصةً تليف في البطن.
وجود الكثير من الادوية لعلاج الصداع النصفي لا يعني تناول الأدوية دون حساب. من المهم تناول الأدوية وفقاً لوصفة الطبيب فقط، واستعمال الأدوية الزائد وغير اللازم وخاصةً الأدوية التي لا تحتاج لوصفة الطبيب مثل مسكنات الألم. ان استخدام عدة أدوية بالمقابل دون استشارة الطبيب، أو تناول جرعات زائدة أمر قد تكون له عواقب وخيمة. فرغم أن الأدوية لها مفعول ايجابي وتلطف الألم، الا أنها قد تسبب أعراضاً جانبية والتي قد تكون خطيرة.
كما أن تناول الأدوية بكثرة يسبب نوعاً من التعلق بالأدوية، مما يزيد من الم الرأس في حال التوقف عن تناول الأدوية. أي أن الأدوية قد تسبب ألم الرأس بدلاً من علاجه. على متناولي الأدوية لعلاج الصداع النصفي الحذر واستئارة الطبيب حول كيفية العلاج بشكل دائم.
لتجنب نوبات الصداع النصفي من المهم عدم التعرض للمحفزات أو العمل على تلطيفها. من المهم معرفة العوامل التي تحفز ألم الرأس، ومن خلال ذلك يمكن تجنب هذه العوامل. للمزيد من التفاصيل انظر المقال – الصداع النصفي: كيف يمكن تجنبه.